عمرها 134 عامًا.. عراقية تتذكر مجازر "داعش" والتاريخ الأسود للعثمانيين

"روشي": شهدت 7 مجازر ارتكبها الأتراك بحق الأيزيديين قُتل خلالها الآلاف
عمرها 134 عامًا.. عراقية تتذكر مجازر "داعش" والتاريخ الأسود للعثمانيين

أعوام كثيرة مرت على المعمرة العراقية روشي قاسم التي بلغت من الكبر عتيًّا، حتى عاصرت انتهاكات تنظيم "داعش" الإرهابي ضد طائفتها الأيزيدية شمالي العراق؛ الأمر الذي ذكّرها بما مرت بها الطائفة منذ أمد بعيد، وتحديدًا منذ مجازر الدولة العثمانية بحقهم، مرورًا بأزمات بلدها وحروبه المعاصرة.

وداخل خيمتها في مخيم "كبرتو" للنازحين الأيزيديين على أطراف مدينة دهوك بإقليم كردستان العراق؛ تقضي الجدة الأيزيدية أيامها بعد نزوحها مكرهة من قضاء سنجار غرب محافظة نينوى بشمال العراق، الذي اجتاحه "داعش" في صيف عام 2014.

وبعد أشهر من الآن -وفق "سكاي نيوز عربية"- ستكون المعمرة "روشي" قد أتمت 134 عامًا كما تقول عائلتها، وهي ليست طريحة الفراش أو فاقدة للوعي؛ بل تتمتع بذاكرة متخمة بقصص الحرب والإبادة التي عاصرتها منذ الحقبة العثمانية مرورًا بالانتداب البريطاني، ففترة الحكم الملكي والجمهوري وفصول الأزمات والحروب التي ضربت بلادها، لا سيما الأخيرة مع تنظيم داعش الإرهابي، التي تقول إنها الأكثر فظاعة.

وتُظهر بطاقة هوية روشي، أنها ولدت في الأول من يوليو عام 1887.

ويستعد أحفاد المعمرة الأيزيدية العراقية لإدراجها في موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية؛ فهم يعتقدون أنها أكبر معمرة على كوكبنا بعد وفاة رجل عراقي آخر كان قد بلغ أكثر من 100 عام، هو "حنون الغالبي" من محافظة ميسان جنوبي البلاد.

وعلاوة على ذلك، فهم يملكون شهادة ميلادها ويسعون لإدراجها؛ حيث توثق الأوراق التي لديهم ذلك؛ أنها وُلدت في عام 1887.

ولا تزال المعمرة الأيزيدية مواظبة على سماع الطرب الكردي يوميًّا، وبرامج الفن للإذاعات المحلية التي تبث الأغاني والأخبار باللغة الكردية؛ لكنها تعاني ضعفًا في بصرها لا يسمح لها بالتنقل بين الخيم دون عكازها؛ قاصدة زيارة أحفادها وأبنائهم.

وتحتفظ "روشي" بشعرها الأسود الذي قاوم الشيب، والفضل في ذلك يعود -كما تقول- إلى نوع الأطعمة التي تتناولها الأرملة والجدة لأكثر من 150 من الأحفاد.

تقول المعمرة العراقية إنها لم تزر طبيبًا، وهي تحرص على تناول البيض واللبن والخضار والفاكهة لا سيما المجففة منها، وتفضل تناول السمك كوجبتها الأساسية في قائمة اللحوم.

وقبل نزوحها من سنجار بعدما اجتاحها "داعش" ودمرها، كانت المعمرة العراقية تعتمد على خيرات الأرض من الأعشاب العطرية في حال أصيبت بوعكة صحية، وعلى تناول الكمي والفطر والتين والعنب؛ بينما كان العسل يتصدر مائدتها على الفطور.

عاشت الجدة روشي قاسم كأسلافها الأيزديين تحت الحكم العثماني خاصة في أواخره، وبدأت معاناتهم بفتاوى عثمانية منذ القرن السادس عشر، وضعت كأطر تشريعية وعسكرية أباحت الدم الأيزيدي.

ويتحدث الباحثون الأيزديون عن أكثر من 100 مجزرة تعرّض لها أبناء الطائفة لها على يد العثمانيين.

ويعتقد الباحث الأيزيدي المتخصص في شؤون طائفته سالم الرشيداني، أن "مذابح الدولة العثمانية في حق الأيزيديين تَوَسّعت خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر؛ وتحديدًا في حقبة السلطان عبدالحميد الثاني الذي عادى الأقليات الإثنية والدينية في دولته، وارتكبت قواته أفظع الجرائم مثل تلك التي ارتكبت بحق الأرمن".

ولا تزال "روشي" تتذكر كيف كانت القوات العثمانية تقتحم قرى طائفتها تحت جنح الظلام، فيقتلون مَن فيها وينتقلون إلى أخرى؛ فيما يُكتب للمحظوظين القلائل النجاة من هول المجازر وسرد شهاداتهم.

وتنقل المعمرة عن والدها تفاصيل مجزرة أيوب بك العثماني سنة 1891، وكانت حينها تبلغ 5 سنوات، ووصف لها كيف كانت تنهال سيوف العثمانيين على رقاب الأيزيديين دون رأفة بصرخات الأطفال والرضع، وتلتها حملة عمر وهبي باشا سنة 1892، ثم حملة بكر باشا سنة 1894.

وتقول "روشي" إنها شهدت 7 مجازر ارتكبها الأتراك بحق طائفتها؛ إذ قتل العثمانيون آلاف الأيزيديين، إلى جانب ملاحقتهم أثناء مجازر الأرمن في القرن الماضي؛ لا سيما أن العثمانيين هددوا بقتل الأيزيديين في جبال سنجار إن لم يسلموهم العائلات الأرمنية الفارة من حملات الإبادة.

وكانت تلك العائلات قد استنجدت بالأيزيديين الذين أغاثوهم وآووهم، ورفضوا تسليمهم إلى العثمانيين، الذين ارتكبوا بحقهم آخر مجزرة كانت على يد إبراهيم باشا، بعد 3 سنوات من الحملة العثمانية بحق الأرمن.

وواجه الأيزيديون أكثر المجازر دموية، عندما اجتاح تنظيم "داعش" مناطقهم في جبل سنجار في أغسطس 2014؛ حيث قتل واغتصب واستعبد الآلاف من النساء.

وترى المعمرة العراقية أن تنظيم "داعش" الإرهابي كان الأكثر إرهابًا.

وكانت الطائفة الأيزيدية، قد تعرضت في صيف 2014 في موطنها التاريخي في سنجار لمذبحة مروعة على يد "داعش"، الذي حوّل الآلاف من نسائها إلى سبايا وأطفالها إلى جنود، في فظائع صنفتها الأمم المتحدة على أنها "إبادة جماعية".

ويعتقد الرشيداني أنه "نتيجة لمجازر العثمانيين، تقلصت الطائفة الأيزيدية جغرافيًّا، وتقوقعت في جبال سنجار وريفها، كما أنها انكمشت عدديًّا بسبب البطش العثماني، إلى أن جاء البطش الداعشي قبل سنوات ليكمل معاناة هذه الطائفة".

وتحدثت تقارير منظمة الأمم المتحدة عن استرقاق "داعش" لأكثر من 6500 امرأة وطفل من الأيزيديين؛ فيما شرد العنف أكثر من 350 ألفًا منها في مخيمات اللجوء شمالي العراق، ولا يزال أكثر من 120 ألفًا ممن عادوا إلى ديارهم يواجهون مصاعب إعادة بناء حياتهم من جديد؛ لا سيما الناجيات العائدات من سجون "داعش".

وراح ضحية المجازر الداعشية في جبال سنجار 5 آلاف قتيل على الأقل، إلى جانب عدد كبير من المفقودين.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org