يبدو العالم بعد جائحة كورونا ليس كقبله أبداً، فالكرة الأرضية بدت مشلولة تماماً، والبشر يكافحون الوباء بالبحث عن العلاج والتباعد الاجتماعي ولزوم المنازل، والشوارع تئن تحت وطأة السكون، والترقب سيد المواقف أمام أعداد المصابين والوفيات، والأمل يطارد كل طيف، والبشر ينتظرون زوال "الغمة" طوعاً أو تحول دولهم أمام "الفيروس" من حالة الدفاع إلى الهجوم للقضاء عليه.
وأمام مشهد الفراغ، ظهرت التقنية كوسيلة لمقاومة العزلة واستمرار العديد من الأعمال "عن بعد"، وبدا وكأن السعوديين تأقلموا سريعاً مع الإجراءات التي فرضتها حكومة بلادهم لحمايتهم من الجائحة، فالعديد من الجهات الحكومية تمسكت بـ"التقنية" لاستمرار أعمالها داخلياً على الأقل، بيد أن وزارة الثقافة يبدو أنها ذهبت أبعد من ذلك، إذ سرعان ما أطلق وزيرها النشط الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود حزمة مبادرات ثقافية تستثمر العزل الوقائي المفروض على سكان المملكة تحت شعار " الثقافة في العزلة".
وبعد أيام من اكتشاف أول حالة مصابة بـ"كورونا" في المملكة، دشن وزير الثقافة مبادرة "أدب العزلة" من هيئة الأدب والنشر والترجمة، حاثاً الجميع على المشاركة في المبادرة بالقول "فمن العزلة حظي العالم بأعمال ثقافية خالدة"، بينما تجاوزت أعداد المسجلين في أيامها الأولى حاجز الـ 95 ألفاً.
وطلبت الوزارة من المهتمين بمشاركتها "هواياتهم الفنية"، كما أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية مسابقة التأليف المسرحي احتفاءً باليوم العالمي للمسرح رغماً عن "كورونا"، وذهب إلى استقبال المشاركات عبر بوابة إلكترونية.
واحتفاءً بصناعة الأفلام في المملكة، أطلقت الوزارة مبادرة "فيلم الليلة" والتي تنشر خلالها فيلماً سعودياً لكل ليلة، كما ذهب وزيرها إلى أبعد من ذلك، عبر شكره لمكتبة سعودية تعاونت مع "الثقافة" لتقديم مجموعة من الكتب والقصص والأدوات الفنية لنزلاء مراكز الحجر الصحي، وحفز الأمير بدر بن فرحان دور النشر السعودية لتدخل عدداً منها المبادرة بآلاف الكتب، إذ أعلنت دار مدارك لوحدها تجاوبها مع وزير الثقافة وتقديم 11 ألف كتاب لنزلاء الحجر الصحي.
وفي السابع من أبريل الجاري، أعلنت الوزارة عن انطلاق مبادراتها "ماراثون القراءة"، والتي كانت تهدف إلى الوصول إلى 100 ألف صفحة خلال الأسبوع الأول، بيد أن المستهدف تم تحقيقه في أول 72 ساعة، ليصل في الـ 13 من الشهر الجاري إلى أكثر من 156 ألف صفحة.