جيلٌ لا يشبه أحدًا

جيلٌ لا يشبه أحدًا

حينما كنتُ في الصف الخامس الابتدائي، وفي الاختبار النهائي لمقرر الإملاء، كان ضمن القطعة التي أُمليت علينا جملة: "ذكر المؤرخون.. إلخ". وفي الأيام التي تلت الاختبار حدثت ضجة في المدرسة حول الكلمة، وأنها صعبة الكتابة بالنسبة لأطفال في هذه السن. ومضت السنون، ورأينا ما رأينا من عجائب الإملاء، وضَعْف بعض الأجيال في استخدام لغتهم الأم.

ففي إحدى القرى درَّستُ مقرر لغتي للصف الخامس الابتدائي. عدد الطالبات في الصف تسع طالبات، واحدة فقط التي تمتلك القدرة على كتابة الهمزة على كرسي الياء بطريقة سليمة، والبقية لا يُجِدن ذلك. والأصعب أن البعض لا يعرف ترتيب الأحرف في الكلمة الواحدة. وهذه مشكلة أمرُّ وأقسى!

مرَّت أعوام، ودرَّست في إحدى الجامعات، فاستوقفتني طالبة في قسم الإعلام في يوم الاختبار لتسأل: أستاذة، ذكرتِ وسائل الإعلام، هل التلفزيون من ضمنها؟ ولتسأل الأخرى: أستاذة، كتبت "المتلقين"، من هم المتلقون؟

الاختلاف بين الأجيال علامة حيوية على التقدم والتطور؛ فجميع ما حولنا يسهم في صنع ذلك الاختلاف ويُشكِّله؛ لذا يكاد لا يخلو مجلس من مجالسنا العادية من حديث أفضلية الأجيال، وهو موضوع مطروق في حياتنا العادية بشكل كبير، وبطرق مختلفة. واللافت هو تقبُّل الاختلاف أو عدمه.. فانتقاد الاختلاف واحد من أشكال عدم تقبُّله؛ لذا نضجر من أي شخص يسرد أفضلية جيله على الأجيال الأخرى، وكأنه ينتمي لجيل يشكل علامة فارقة في البنية التاريخية الاجتماعية لمجتمعه!

والتضجر أمر مشروع وطبيعي، ولاسيما إذا ما حاول الآخر التقليل من قيمة وجهود الجيل الذي ينتقده؛ لذا يكون الاختلاف مقبولاً إذا لم يكن فيما يشكّل هوية الفرد، وجزءًا من ثقافة مجتمعه. وبالنسبة للمشكلة القائمة التي تستوجب الإشارة إلى أفضلية جيل على لاحقه فهو أن الأجيال التي ستحمل راية الحفاظ والدفاع عن الهوية أجيال لديها مشكلة مهمة في مكوِّن رئيس ومهم من مكونات الهوية، هو اللغة! لذا عبء النقد كبير، ومحاولة حصر أسباب المشكلة مُنهكة.. يكفي أن يُشار لوجود مثل تلك المشكلة؛ عسى أن يتنبه أحدٌ لخطرها.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org