المستقبل للهندي

المستقبل للهندي

نسمع كثيرًا من الأخبار يوميًّا، والقليل منها يشدك؛ لتتأمل، وتشاهد، وتحلل.. فعندها تسري في مخيلتك هذه الأخبار التي شدتك، كسريان ماء زلال في جداولها.

الزمن عام 2009م. استرقتُ السمع لبعض الأخبار آنذاك في إحدى القنوات الفضائية. فدولة الهند إذا استمرت في تطور اقتصادها بتلك الوتيرة فإنها ستكون في عام 2050م الدولة العظمى اقتصاديًّا. فلقد أصبحت مكتفية ذاتيًّا في مجالَي الزراعة والصناعة، مع الاكتفاء بالأيدي العاملة في المسار الطبي؛ لذلك ستقفز على الكبار كأمريكا واليابان والصين وغيرها. وما يدريك لعل ذلك يكون قريبًا.

ونسير معًا لنتمعن أكثر.. فالهند الدولة النووية ذات المليار نسمة وأكثر هي رابع دولة في العالم من ناحية القدرة القتالية لجيشها على مستوى العالم؛ وهي بذلك من الدول العظمى عسكريًّا التي تفوقت على دول متطورة في الوقت الراهن. وهي في المرتبة السادسة في الناتج المحلي ضمن دول مجموعة العشرين الأقوى اقتصادًا في العالم التي نفخر بأن السعودية منها.

ولا يُفهم من سرد مشاعل الإيجابية التي نذكرها للتطور الهندي في مجالات عدة أنه لا يوجد فساد أو فقر أو أمراض أو جهل لديهم، ولكنها نظرة إيجابية للجانب الممتلئ من «صحن البرياني»، وإغفال الفارغ منه.

وتأتي الأخبار بأن من الهند أكثر رجال العالم ثراء. وفوق كل هذا رئيس قوقل هندي، ورئيس مايكروسوفت هندي، ورئيس ماستر كارد هندي. هذا هو الشيء المشترك في المديرين التنفيذيين لكبرى الشركات التقنية الأمريكية. إنه الرجل أو المرأة ذو أو ذات الأصول الهندية، الذين نالوا ذلك بإنجازهم وتميزهم.. فأمريكا التي تستورد مثلاً السيارات من اليابان، والتلفزيونات من كوريا الجنوبية، قد أصبحت الآن تستقطب الإنسان الهندي الذكي الذي يبني ويطور أمريكا. فالشركات الكبرى مثل «أدوبي»، «مايكروسوفت»، «نوكيا»، «بيبسي» و«ماستر كارد».. وغيرها، كل مديريها من ذوي الأصول الهندية، أو كانوا منها، ثم انتقلوا لشركات أخرى. هذا على سبيل المثال لا الحصر؛ وذلك لإبداع هؤلاء الذي كان له الأثر في تدفق الكثير لوادي السليكون، الذي يحوي عظماء الشركات في مجال التقنية بشمال كاليفورنيا، حتى إن أحد الكتّاب توقّع فوز أحد أبناء المهاجرين الهنود بمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية قبل عام 2050م.

ما زلت أتذكر عام 2011م عندما ودَّعت صديقي المبتعث الذي سافر لينهل من الخارج العلم والفائدة في العلوم التقنية، فلم يكن ابتعاثه لأمريكا أو بريطانيا، ولا لكندا، على تميزها وتفوقها العلمي، لكن كان مقصده دولة الهند في تخصص «الشبكات» بقسم الحاسب الآلي؛ فقد قالها صديقي الآخر ممازحًا أحد الطلاب المستجدين بالجامعة هنا: "إذا رأيت هنديًّا بالجامعة فلا تقل له: «يا صديق أو رفيق»؛ فقد يكون هو «معلمك بالجامعة».

همستُ لهم قائلاً: نسمع كثيرًا ما يقال استهزاء «هندي شايفني، أو إيش شايفني.. هندي».. فهذه الهند يا سادة، وما وصلت إليه.. هم الآن في تطور دائم، وهم يحققون ذاتهم بمجهوداتهم، ويحققون أعظم الإنجازات بكل تواضع وثقة.

فهذه ومضات، وإلا فالكثير عن تطور الهند لم يُذكر، لكنه كما قيل: (يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق).

ختامًا يقول الهندي المهاتما غاندي: "سيتجاهلونك، ثم يسخرون منك، ثم يقاتلونك، وبعد ذلك تنتصر".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org