"الحدث الأصعب" الذي دفع الملك عبدالعزيز إلى استعادة الرياض فاتحًا وموحدًا

أنهى خلالها التناحر والخوف وشظف العيش إلى الاستقرار والأمان
"الحدث الأصعب" الذي دفع الملك عبدالعزيز إلى استعادة الرياض فاتحًا وموحدًا

يبدو أن السنوات التي عاشها المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن ـ طيب الله ثراه ـ في الرياض مع أسرته صبيًّا كان لها مفعول السحر في إعادة تأسيس السعودية الثالثة؛ فهذه الفترة جعلته يعتز كثيرًا بالرياض، ويصرُّ على عودته إليها فاتحًا وموحدًا، مستعيدًا فيها ذكرياته العديدة.

ووُلد الملك عبدالعزيز وترعرع في الرياض، ونهل من علمائها بعد أن عهد به والده الإمام عبدالرحمن بن فيصل آل سعود – رحمه الله – إلى القاضي عبدالله الخرجي لتعليمه القرآن الكريم والقراءة والكتابة وهو في سن السابعة من عمره، وفي سن العاشرة تلقى تحصيله في الفقه والتوحيد على يد الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ، وبالتوازي مع ذلك كان الملك عبدالعزيز يتعلم ركوب الخيل، ومهارات الفروسية.

الحدث الأصعب
وعدَّ المؤرخون خروج الملك عبدالعزيز مع والده الإمام عبدالرحمن – رحمهما الله – وبعض أفراد أسرته من الرياض عام 1308هـ الحدث الأصعب في حياته، وكانت محطتهم الأولى بعد الرياض واحة "يبرين" في الأحساء، ثم البحرين، إلى أن وصلوا فيما بعد إلى الكويت، واستقروا بها سنوات عدة، ظل فيها الملك عبدالعزيز معلق القلب بالرياض.

و"يبرين" التي اتخذها الملك المؤسس مقرًّا له لتنفيذ خطته في إعادة الرياض تُعدُّ واحة من واحات الأحساء بمحاذاة رمال الربع الخالي من الشمال، وتقع مدينة الرياض في وسط الجزيرة العربية بنجد. وكان أقدم ذكر لموقع الرياض في المصادر التاريخية يعود إلى عام 715 ق م، وذلك في سياق ذكر مدينة حجر التي فقدت قيمتها في القرن العاشر الهجري، وتناثرت إلى قرى صغيرة، مثل: العود، والبنية، ومعكال، والصليعاء، وجبرة، وهي أماكن لا يزال بعضها معروفًا إلى الآن في مدينة الرياض.

إعادة العاصمة
ولا غرو أن يصر الملك عبدالعزيز – رحمه الله – على إعادة الرياض التي تُعدُّ امتدادًا تاريخيًّا لمسيرة الآباء والأجداد. لقد أفنى الملك المؤسس – رحمه الله - عمره في مواجهة تحديات الحياة في الجزيرة العربية التي كانت ترزح قبل أكثر من 9 عقود تحت وطأة التناحر والخوف والهلع وشظف العيش، فأسس دولة فتية، تتمتع بالأمن والاطمئنان والخيرات الوفيرة، ويقف لها العالم احترامًا وتقديرًا.

وتأثرت شخصية الملك عبدالعزيز كثيرًا بشخصية والده الإمام عبدالرحمن الفيصل – رحمهما الله –؛ إذ كان أبًا ومعلمًا وأخًا وصديقًا لابنه، فضلاً عن شخصية والدته الأميرة سارة السديري التي كانت من أكمل النساء عقلاً وتدبيرًا، وكان محبًّا لإخوته (خالد، فيصل، فهد، محمد ونورة)، لكن علاقته بالأميرة نورة - رحمها الله - كانت أكثر حميمية؛ واحتلت مكانة كبيرة في نفسه - رحمه الله - حتى إنه كان يقول: "أنا أخو نورة، أنا أخو الأنوار"، ويحرص على زيارتها يوميًّا في منزلها.

رحلة الاستعادة
وعندما بلغ الملك عبدالعزيز سن العشرين من عمره وهو في الكويت توجه في الخامس من شهر رمضان عام 1319هـ إلى الرياض في رحلة بطولية، قاد مسيرتها بصحبة رجاله؛ ليتمكنوا من اختراق جوف الصحراء التي تلتهب رمالها تحت أشعة الشمس الحارة صائمين رمضان لربهم، قبل أن يأتي عليهم يوم العيد وهم في موقع يطلق عليه "أبو جفان".

وفي اليوم الرابع من شهر شوال من عام 1319هـ وصل الملك عبدالعزيز ورجاله إلى "ضلع الشقيب" الذي يبعد عن مدينة الرياض نحو ساعة ونصف الساعة مشيًا على الأقدام، ومن الضلع تقدموا إلى الرياض التي دخلها الملك عبدالعزيز بذكاء القائد المحنك، وأعاد الأمور إلى نصابها الصحيح بعد عملية بطولية حامية الوطيس، لم تدم طويلاً، طوى خلالها الملك عبدالعزيز زمن العهد الغابر في الرياض معلنًا بداية العهد الزاهر في نجد بعد أن بايعه أهالي الرياض وأعيانها عام 1320هـ أميرًا على نجد وإمامًا لأهلها، وذلك عقب صلاة الجمعة في ساحة المسجد الكبير بالرياض؛ فدب الاستقرار السياسي في مدينة الرياض بعد سنين من الاضطراب، وكانت وحدة الحكم من أهم العوامل التي مهّدت دخول الرياض مرحلة جديدة من النمو والازدهار الحضاري.

التصدي للفوضى
وتمكَّن الملك عبدالعزيز آل سعود عبر رحلة طويلة، أضناه فيها طول المشي والتفكير، من لملمة شتات البلاد، وإعادة الأمن، والتصدي للفوضى التي كانت سائدة في الجزيرة العربية آنذاك، وأصبح بمحبة الناس ملكًا لدولة سهر على بنائها، وأوجد نظامها حتى أصبح لها مواقف مشرفة مع الأمتين الإسلامية والعربية والعالم أجمع.

ومع مطلع عام 1440هـ أطلقت دارة الملك عبدالعزيز مشروعًا توثيقيًّا بمناسبة مرور 200 عام على الرياض عاصمة للدولة السعودية، عبارة عن خرائط وصور ومخطوطات ومعلومات على موقعها الإلكتروني وحسابات الدارة الرسمية على المنصات في وسائل التواصل الاجتماعي.

وترصد الدارة خلال مشروعها القيمة التاريخية والجغرافية والسياسية للرياض بوصفها عاصمة واكبت قيام المملكة العربية السعودية وتوحيد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله-؛ إذ مرت الرياض بأحداث ذات أهمية تاريخية نظرًا لموقعها الجغرافي المتميز، والعوامل الطبيعية التي حباها الله بها؛ وهو ما يشير إلى تسميتها باسم الرياض، مستعرضة الحِقَب التاريخية التي مرت بها المدينة.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org