"سوق ثلاثاء أبها" في 200 عام .. قصة اليوم والأمس "أخبار وأسعار ومصالحة"

فيما تجد النساء متطلباتهن من الصناعات اليدوية والعصرية .. أسلحة وعطور وفضيات
"سوق ثلاثاء أبها" في 200 عام .. قصة اليوم والأمس "أخبار وأسعار ومصالحة"

ظلّ سوق الثلاثاء في مدينة أبها بمنطقة عسير، منذ قرابة 200 عام، اسماً يتردّد على أذهان أهالي المنطقة وزوارها كافة جيلاً بعد جيل؛ حيث يدخل ضمن أقدم الأسواق الأسبوعية الشعبية المنتشرة في محافظات عسير، متربعاً بتاريخه القديم وسط أبها بجوار مركز الملك فهد الثقافي "قرية المفتاحة".

وكان يُعرف سوق الثلاثاء باسم سوق ابن مدحان قبل عام 1242 من الهجرة، ثم أُطلق عليه اسم سوق الثلاثاء كسوق أسبوعي يلتقي فيه أبناء قبائل جنوب المملكة من زهران إلى ظهران، كما أورد ذلك "الهمداني".

والسوق، مقر مفتوح لتبادل أخبار الزراعة والرعي والتجارة، ومعلم اجتماعي تدور فيه لقاءات الود والمصالحة والتعارف والتقارب، وتستقى من خلاله أخبار الأمطار، والحصاد، والحلال.

وواكب السوق التطورات التي مرت بها منطقة عسير على مر الأزمنة فمن بناء بدائي مستوحاة أركانه من مكونات البيئة إلى سوق تجاري منظم يقع وسط أهم مدينة سياحية عصرية تحفه المسطحات الخضراء برائحة الكادي والريحان، وقد شيّد بهندسة معمارية رائعة استخدمت فيه الأعمدة والجدران الإسمنتية.

وتم تقسيمه إلى ما يقارب 100 محل تجاري تؤجر للمستفيدين بمبالغ متقاربة ليبقى ينبض بحيويته حتى يومنا هذا حتى أصبح مقراً سياحياً تصدّرت زيارته أولويات برامج زوار المنطقة من داخل المملكة وخارجها على مدار العام، خاصة خلال موسم الإجازات، ويُمثّل في الوقت ذاته بيتاً للهدايا والتذكارات التي يحرص الزوار على اقتنائها.

وبخصوص الحركة التجارية داخل السوق، فإن زائره يجد اليوم بين ردهاته ومحاله المصنوعات القديمة كالفخار والحديد، والملابس والحلي والسمن والعسل والنباتات والزهور العطرية، والحرف اليدوية التي عُرفت في عسير منذ القدم ومنها ما يختص بالحدادة والخرازة والزراعة وأعمال الخوص والنحت على الخشب والدباغة والحياكة وأيضاً صناعة الأسلحة التقليدية وسبك المعادن "الحلي والمجوهرات"، وغيرها من الحرف المختلفة.

وقال بائع التراثيات والخناجر المواطن سعيد حامد "70 عاماً": أعرف سوق الثلاثاء منذ كانت سني 15 عاماً، وكان يقع خلف مبنى إمارة عسير ثم انتقل إلى موقع آخر واستقر به الحال إلى موقعه الراهن، وكانت له قوانين وأحكام ويلتقي فيه أهالي المنطقة من تهامة والسراة الذين يوجد الكثير منهم في السوق منذ عصر الإثنين، استعداداً للحركة التجارية الكبيرة التي كان يشهدها وقتها.

واستعرض "آل حامد"؛ جانباً من مبيعاته حيث تخصص في بيع الخناجر والأسلحة البيضاء، وبيّن أن زوار السوق يفضلون اقتناء الكثير منها بمختلف أشكالها وأحجامها لما تمثله من عادات وتقاليد ترمز إلى حفظ تراث الآباء والأجداد.

وأضاف: "أسعار الخناجر تتفاوت حسب نوع رأس الخنجر وقيمة السلة وسبكها بالفضة، وتتراوح أسعارها ما بين 1000 ريال و5000 ريال ، في حين تبلغ أسعار الجنابي حسب النوع من 500 ريال إلى 2000 ريال وأخرى تصل 20 ألف ريال، مستعرضاً بعض مقتنياته المعروضة للبيع منها سيف قديم عمره يتجاوز 200 عام تصل قيمته إلى 20 ألف ريال".

وأوضح أنه يعرض في جناحه لزوار السوق العديد من الخناجر والجنابي وما يسمى المقمع والسبك والفتيل وهي أعيرة نارية تستخدم قديماً في المناسبات.

من جانبه، أكد البائع عبدالله الشهري؛ الذي يمتلك ركناً خاصاً بالتراثيات والشعبيات والمشغولات اليدوية أن السوق له مكانة كبيرة لدى الأهالي والزوار بوصفه سوقاً شعبياً يجدون فيه متطلباتهم ذات الطابع التراثي والقديم ، مشيراً إلى أن الحركة التجارية جيدة خصوصاً يوم الثلاثاء ووقت الإجازات.

وفي السياق ذاته، قال محمد البارقي؛ بائع الفضيات والملبوسات القديمة، إن السوق ينافس المراكز التجارية الحديثة وما تعرضه من الإكسسوار، وكشف عن طلب كبير على الفضيات القديمة التي أصبحت تنافس الذهب في كثير من المواسم، وأفاد بأن السوق يحظى بتوافد عديد من أهالي المنطقة وزوارها ويستقبل وفوداً خارجية.

ويحتضن سوق الثلاثاء عدداً من المحال التجارية المخصصة لبيع العسل والسمن البلدي؛ حيث يقول زايد الألمعي؛ أحد باعة العسل في سوق الثلاثاء، إن السوق يعرض جميع أنواع العسل ما بين المجرى والسدر والشوكة الذي يضم عسل السمر والطلح والسلم وتتفاوت أسعاره ما بين المجرى الذي يبلغ سعر الكيلو منه 1000 ريال إلى كيلو السدر الذي يصل إلى قيمة 400 ريال، أما الشوكة فيتفاوت ما بين 200 إلى 300 ريال بحسب الجودة.

هذا وتجد النساء في سوق الثلاثاء متطلباتهن القديمة من الصناعات اليدوية وأهمها الثوب العسيري الذي يعطي صورة عن المرأة العسيرية ورهافة ذوقها وحسها الفني.

وذكرت "أم أحمد" وهي سيدة ستينية تمتلك ركناً بالسوق مخصصاً لبيع الملابس النسائية والمشغولات الفضية أن الثوب العسيري يُعرف بالقطيفة السوداء الذي يطرز بخيوط متناغمة الألوان تميل خطوطها إلى ألوان ذهبية متوهجة تعطي انسجاماً وانسيابية، وهي ذات أبعاد هندسية متناسقة مرسومة بدقة وعناية تشكل صدر الثوب العسيري.

وأضافت "أم أحمد": لايزال الثوب العسيري يجد صدى كبيراً ومساحة إعجاب في عيون النساء الزائرات لمنطقة عسير حيث يحرصن على شراء ذلك الثوب والتزين به.

وأوضحت أن سعر الثوب يتراوح ما بين 15ريالاً و700 ريال فيما يكون أكثر من ذلك بحسب الخيوط التي تدخل في التطريز والرسومات وتناسق الألوان وانسجامها.

وتعرض مجموعة من كبيرات السن بضاعتهن من النباتات العطرية التي تعد من ملامح تراث وعادات الأهالي في عسير منذ عقود مضت، حيث يتسابق مرتادو السوق على شراء تلك النباتات الطبيعية المعروضة والعصائب العطرية واقتنائها من قِبل النساء والرجال حتى الأطفال.

وتقول البائعة "أم خالد"؛ إنها تبيع النباتات العطرية بأنواعها، مثل: الريحان والشيح والشذاب والبرك والنعناع والوزاب، وهي تجد إقبالاً كبيراً عليها، وأوضحت أن الأسعار رمزية تبدأ بحدها الأدنى من ثلاثة ريالات وتصل إلى 50 ريالاً واشتهر بها أهالي عسير منذ زمن بعيد.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org