فايز السراج.. المعماري الذي تاه في أزمة الوفاق الوطني في ليبيا

فايز السراج.. المعماري الذي تاه في أزمة الوفاق الوطني في ليبيا

في خضم الصراعات وحساسية المرحلة في ليبيا يبرز اسم معماري يبلغ من العمر 60 عاماً يرأس المجلس الرئاسي في ليبيا ويتولى منذ 8 أكتوبر 2015م رئاسة حكومة الوفاق الوطني، وهي حكومة منبثقة عن الاتفاق السياسي الليبي الموقع في الصخيرات المغربية في 17 ديسمبر 2015م بإشراف أممي.

فايز مصطفى السراج ولد في 20 فبراير 1960م، وينتمي لأسرة ذات أصول تركية وهو ابن مصطفى السراج أحد السياسيين في حزب المؤتمر ووزير الاقتصاد والتعليم خلال الملكية الليبية (1951-1969).

السياسي الليبي الحاصل على ماجستير في إدارة الأعمال عام 1999، وبكالوريوس في العمارة والتخطيط العمراني عام 1982م عمل في بداياته كمهندس في إدارة المشروعات في "صندوق الضمان الاجتماعي الليبي" وعضواً في "هيئة الحوار الوطني"، ورئيساً للجنة الإسكان والمرافق وعضواً للجنة الطاقة في "مجلس النواب الليبي".

"السراج" الذي صنُف من قبل "مجلة فوربس" الأميركية ضمن أغنى عشرة أشخاص في ليبيا لعام 2018 في موقف لا يحسد عليه بعد التصاعد في الوقائع على الأرض والذي لم يعد محتملاً في الفناء الشعبي الليبي ولا لدول الجوار وخاصة التي ترى أن ما يحدث في ليبيا وصل إلى درجة تهديد حقيقي لأمنها بعد أن سمحت حكومة الوفاق بتدخلات لدول غير مجاورة وفق مصالح لا يمكن أبداً تفسيرها في صالح ليبيا.

الموقف الهش
ويبدو أن "السراج" برغم القرب من الأحداث لم يكن في خضمها، خصوصاً في وضع بلاده المدمرة والممزقة، إذ كان أقرب إلى الحقائب الهادئة قبل أن يُقحم رئيساً لحكومة الوفاق الوطني في مارس 2016م بتوافقية تهدئة وفي وقت مضطرب جداً.

"السراج" وبعد نجاته من عدة محاولات اغتيال نجح بشكل باهت في تشكيل حكومة بدون تصويت، فقط بدعم من عدة دول أوروبية وغربية، فكان موقف حكومة الوفاق هشاً خصوصاً في الداخل، قبل أن يحتدم الوضع بإعلان الحرس الجمهوري في طرابلس عن ولائه للمؤتمر الوطني الجديد ويسيطر على المجلس الأعلى للدولة وليدخل "السراج" معركة قوية لم تنته بانتصار لأي من الطرفين حتى 16 مارس 2017م.

النظرة إلى السراج حينها لم تكن مليئة بالثقة. يقول ماتيا توالدو –من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "على الرغم من أن زعيم حكومة الوفاق الوطني يبدو ضعيفاً وغير قادرٍ على توحيد البلاد، إلا أن هذا يجعله، بشكلٍ متناقض، مرشحاً للبقاء في منصبه الحالي ضمن سيناريوهات مختلفة لأنه لا يخاصم أي شخص." وهو الأمر الذي جعل الرجل يبدو في وضع الزمان والمكان غير المناسبين.

تواطؤ مسيء
هذا وفي أواخر مايو 2020 هاجم عضو لجنة الشؤون الخارجية الأوروبية واللجنة الفرعية للأمن الأوروبي، خافيير نارت حكومة السراج، بل ووصفه بالدمية قائلاً: "تبعية فايز السراج الكاملة إلى تركيا لا تؤهله أن يكون ممثلاً شرعيًا للشعب الليبي، حيث لا يجوز أن يكون الممثل تابعًا لجهات خارجية. هذا التواطؤ مسيء جدًا لليبيين، وأنه يعزز الفوضى والحروب وقوة الميليشيات".

وأضاف "نارت": الحديث عن شرعية حكومة الوفاق هو ضرب من العبث من المنظورين السياسي والقانوني. صنعنا وحشًا في طرابلس ولم نتمكن من السيطرة عليه، فايز السراج "لا يمثل واقعًا قانونياً مقبولاً لأنه يتحكم في حفنة من الميليشيات المنفلتة".

ومضيفًا أن سكان المناطق الشرقية ينظرون إلى (قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر بأنه قادر على صنع السلام والاستقرار وتحقيق التنمية المطلوبة).

المعماري وأسرار التقارب التركي
وامتداداً لصورة التخريب التركي الذي ساهم في المزيد من اضطرابات البلد وجد "السراج" بمحاباته للأتراك نفسه غير مقنع مع ازدياد الوضع تأزماً. أما التفسيرات لهذه المحاباة –الخالية من أي مبرر سياسي حكيم فهي عديدة ومنها بعض الدلائل التي تربط حقيقة أصول أسرته بالأتراك.

وعلى سبيل المثال نشرت تقارير إعلامية أن توقيع اتفاقيتين مع الجانب التركي من قبل "السراج" كرئيس لحكومة الوفاق الوطني والتي قوبلت برفض شعبي وبرلماني لما تشكله من خطر على الدولة وهو ما برره البعض بما نشر في كتاب والده مصطفى السراج والمنشور عام 2006م أن جذور أسرته تعود لضابط في الجيش التركي نقل إلى ليبيا حينها واستقر بها فيما بعد. وأن ذلك يبرر الكثير من التسهيلات التي منحها السراج لأصوله.

الكتاب المعنون بـ"ذكريات وخواطر"، قال مؤلفه وهو والد "السراج": "حسب معلوماتي أن جدنا الأول المعروف في ليبيا هو محمد آغا من مدينة "مغنسيا" الواقعة شمال مدينة أزمير التركية الآسيوية، وكان ضابطًا في سلاج السواري- الفرسان- وقد انتقل في عام 1840 من تركيا إلى ولاية طرابلس".

تسهيلات مالية مشبوهة
امتداداً لذلك يأتي ما كشفت عنه الصحافية الأمريكية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، ليندسي سينيل، أن رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج، دفع للرئيس التركي رجب طيب أردوغان 12 مليار دولار أمريكي، بعد تدخله عسكرياً في ليبيا.

وحسب التفاصيل التي نقلتها صحيفة "ليبيا ريفيو" عن الصحافية الأمريكية، فإن "الوفاق" أودعت 4 مليارات دولار أمريكي في البنك المركزي التركي في مناسبة أولى، ووضعت 8 مليارات دولار أخرى، تحت تصرف "أردوغان" مقابل التدخل عسكرياً في ليبيا.

أداة لتركيا
على خط موازٍ يقول الكاتب الصحفي عبد الباسط هامل إن حكومة فايز السراج أصبحت وكأنها تعمل لدى الباب العالي في العاصمة التركية إسطنبول وأصبح موظفًا لدى أردوغان، الذي لديه أحلام بالعودة للولايات العثمانية والمستعمرات السابقة.

هذا فيما نقلت صحيفة (المصري اليوم) أن تسجيلاً صوتياً مسربًا أثار جدلًا كبيراً حيث كان لمحادثة رُجّح أنها دارت بين فايز السراج ومساعديه بعد عودته من تركيا، حيث يقول فيها فايز السراج: حكومة الوفاق الوطني مدينة لأردوغان بسبب مساعدته لها وأن الشعب الليبي يجب أن يخدم الرئيس التركي".

ربما تعقيباً على ذلك وغيره يقول النائب في البرلمان الليبي، جبريل أوحيدة في مقابلة مع العربية الحدث، إن رئيس "حكومة الوفاق" فايز السراج، ما هو إلا أداة تستخدمها تركيا لشرعنة تدخلها في ليبيا، وواجهة لتنظيم "الإخوان المسلمين" في الغرب الليبي للاستمرار في السلطة، مشيرًا إلى أن مشروعهم التوسعي أكبر من أن يقوده السراج الذي سيعملون على إزاحته بعد انتهاء مهمته.

مرتزقة أردوغان
هذا فيما يرى الباحث السياسي الليبي محمد العمامي أن أردوغان يسعى لتأسيس "دولة عثمانية ثانية"، مشددًا على أن الشعب الليبي "سيقاوم" ولن يقبل بذلك. وقال العمامي لـ"سكاي نيوز عربية": القوة مهما كانت كبيرة فإنها لا تنهي أي أمر في الواقع، وإلا أنهت أميركا كثيرًا من مغامراتها (على سبيل المثال).. الشعب هو من يقرر". لا أحد في طرابلس يقبل بوجود قتلة ومرتزقة. ستقوم مقاومة حقيقية في معظم المناطق الليبية للتواجد التركي لأنه أتى بقوة السلاح لا بالتوافق. لا يمكن أن يكون هناك رخاء وأمن تحت أفواه البندقية".

رفض شعبي
"السراج" خصوصاً مع الأحداث الأخيرة ربما أدرك كغيره أن اتفاق الصخيرات الذي جلبه توافقياً إلى حكومة وفاق وطني لم ينجح في حقيقته. بل يرى المحللون أنه نفسه "اتخذ اتفاق الصخيرات ذريعة لإفشال الجهود السياسية لإدارة التناقضات الداخلية واستعادة توازن القوى على أرضية وطنية يظللها القبول الشعبي".

الغضب الشعبي ليس فقط في الشارع العام، بل وحتى داخل الفناء السياسي. ومن ذلك ما طالب في مطلع العام الحالي نواب ليبيون بمحاكمة السراج بتهمة الخيانة العظمى وذلك عقب الاتفاقية البحرية والأمنية بين فايز السراج، وأردوغان.

مطالبة بسحب الاعتراف
أما موقف "السراج" في زمن الكورونا فهو ربما الأكثر إثارة للاستفهام. فقد أدانت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في الحكومة الليبية في 22/06/2020 استحواذ حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج المساعدات الإنسانية المقدمة من الاتحاد الأفريقي إلى ليبيا لمكافحة جائحة كورونا. وقالت الوزارة، في بيان إنّ حكومة السراج وظفت هذه المساعدات سياسياً من أجل كسب ولاء بعض البلديات التابعة للميليشيات المسيطرة عليها وعلى قراراتها!

هذا فيما طالبت وزارة الخارجية والتعاون الدولي بالحكومة الليبية المجتمع الدولي وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي وكل المنظمات الدولية والإقليمية بسحب الاعتراف من حكومة السراج غير الشرعية التي لا تمثل الليبيين، ولا تعبر عن إرادتهم. كما طالبت بدعم الشعب الليبي في "استعادة دولته من الميليشيات الإجرامية والإرهابية والمرتزقة الأجانب من أجل بناء ليبيا الجديدة، دولة القانون والمؤسسات."

ارتباك
مثل ذلك وغيره هو ما جعل حسن الصغير وكيل وزارة الخارجية الأسبق بالحكومة الليبية يشن هجوماً على حكومة السراج على خلفية إصدارها بيان وصفه بالمرتبك ردًا على تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي. يقول "الصغير": "يعيب (الوفاق) على مصر صمتها وأنها منحازة وهي التي أرسلت عدة وفود للقاهرة شاركت في اجتماعات اللجان العسكرية وآخرها الاجتماع الاقتصادي شهر فبراير 2020.. وإذا كان الليبيون غير مجمعين على شرعيتهم فلن ينفع (الوفاق) كل شرعيات الدنيا ولن تحل ورقة من مجلس الأمن المعادلات المختلة في طرابلس المحتلة السياسية والمالية والأمنية.

الآن ومع إعلان القاهرة وحق مصر المبرر بسبب ما يحدث في ليبيا من تهديد تركي وحضور لجماعة الإخوان الإرهابية لا يبدو "السراج" مستوعباً حجم الخطر، ليس ممن أعلنوا صراحة أحقيتهم في حماية أمنهم الإقليمي والعربي بل ما هو أخطر فيما تديره تركيا وتسبب في تردي الأوضاع أكثر في بلد ممزقة.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org