ما بين صندوق شكاوى المؤسس وتعهد ولي العهد.. حرب المملكة على الفساد في 90 عامًا

نهج قويم تأسست عليه السعودية منذ يومها الأول
ما بين صندوق شكاوى المؤسس وتعهد ولي العهد.. حرب المملكة على الفساد في 90 عامًا

"كائنًا من كان".. بتلك العبارة الذهبية خطى المؤسس الملك عبدالعزيز (طيب الله ثراه) قبل نحو قرن من الزمان، أولى الخطوات في رحلة مكافحة الفساد، والتي سار عليها خلفاؤه من الملوك من بعده، إلى أن وصلت الرحلة إلى أوجها، واشتد عودها، بعد أن تسارعت واشتدت الضربات على هامة الفساد في العصر الحالي بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان (حفظهما الله).

"كائنًا من كان"

فعلى صندوق خاص اتخذه المؤسس لتسجيل الشكاوى التي ترد له شخصيًّا، خُطّت عبارة "كائنًا من كان"، وحمل الملك مفتاح الصندوق بنفسه، لمراجعة شكاوى المواطنين؛ حاثًا إياهم في وثيقة حررت بتاريخ 29 ذو الحجة 1347هـ، ألا يترددوا في إبلاغه، وتسجيل شكوى ضد أي شخص كائنًا من كان، موظفًا أو غير ذلك، كبيرًا كان أو صغيرًا.

وجاء ما نصه في الوثيقة التاريخية: "من كان له ظلامة على كائن من كان موظفًا أو غيره كبيرًا أو صغيرًا، ثم يخفي ظلامته؛ فإنما إثمه على نفسه، وإن من كان له شكاية -فقد وضع على باب دار الحكومة صندوق للشكايات مفتاحه لدى جلالة الملك- فليضع صاحب الشكاية شكايته في ذلك الصندوق، وليثق الجميع أنه لا يمكن أن يلحق المشتكي أي أذى بسبب شكايته المحقة من أي موظف كان".

واختتم الملك وثيقته التي تعهد فيها أمام الشعب بمحاربة الفساد وإرساء الحق، بالتشديد على أن باب العدل مفتوح: "وليعلم الناس كافة أن باب العدل مفتوح للجميع على السواء، والناس كلهم كبيرهم وصغيرهم أمامه واحد؛ ليبلغ الحق مستقره والسلام".

ولي العهد على الخطى

ذلك النهج القويم الذي أقره وأرساه الملك عبدالعزيز قبل أكثر من 90 عامًا، وقبل نحو 3 أعوام من تاريخ تأسيس المملكة العربية السعودية؛ سار عليه مَن جاء بعده؛ ولكن التحول الأكبر جاء في عهد الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان، اللذين أخذا على عاتقهما دحر الفساد، وضرب هامته بلا هوادة.

فالحرب التي شنها ولي العهد على الفساد، ارتسمت صورتها الكبيرة، حينما تعهد الأمير محمد بن سلمان في حديث تلفزيوني سابق، شاهده واستمع له الملايين، بألا ينجو كل من ارتكب فسادًا وزيرًا كان أو أميرًا؛ سائرًا على النهج الذي أرساه المؤسس، قائلًا: "إن لم تكن مكافحة الفساد من على رأس السلطة، فمعناه أنك ليس عندك مكافحة فساد.. لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد أيًّا من كان، سواء وزير أو أمير أيًّا كان"، كما عكس شعار المرحلة الحالية بألا أحد فوق القانون، وأن قضايا الفساد لا تسقط بالتقادم، فكل من أفسد سيحاسب حتى بعد تقاعده، وابتعاده عن وظيفته، وهي ما كانت بمثابة رسالة قوية للفاسدين تعيد الأمور إلى نصابها.

ولم يلبث تعهد ولي العهد الشفوي حتى تحول إلى فعل حقيقي وتطبيق عملي، عندما صدر الأمر الملكي بتشكيل لجنة عليا برئاسة سموه لحصر والتحقيق في قضايا الفساد العام في أواخر عام 2017م، وما رافقه من إيقافات طالت عددًا من الرؤوس الكبيرة؛ في سابقة فريدة، استعادت من خلالها الدولة 100 مليار دولار بعد تسوية قضايا الفساد.

واستتبع تلك الخطوة عدد من الخطوات كان أبرزها صدور ذلك الأمر الملكي قبل 3 أسابيع فقط، بإعفاء الفريق فهد بن تركي ونجله نائب أمير الجوف، وإحالتهما إلى التحقيق و5 مواطنين آخرين، بناءً على ما رفعه ولي العهد لهيئة الرقابة ومكافحة الفساد، التي أثنى الأمير محمد بن سلمان على عملها، وما يبذله رجالها من مجهودات مضنية لاجتثاث الفساد من جذوره.

إرادة سياسية ومتابعة شخصية

وتحتاج عملية الحرب على الفساد التي يوليها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان متابعة واهتمامًا شخصيًّا إلى إرادة سياسية قوية لتنفيذها؛ خاصة عندما تتعلق عمليات الفساد بكبار القادة والموظفين، وبمن وضعت فيهم القيادة ثقتها، وأولتهم شؤون المواطنين؛ إلا أنهم خانوا تلك الثقة، وتورطوا في عمليات فساد. وهو ما توفر عبر المتابعة والاهتمام الشخصي لسمو ولي العهد، وعكسته القرارات المتتالية بفتح ملفات الفساد، ومحاسبة المتورطين من الكبار والصغار.

وعلى الرغم من أن التحولات التي أنجزها ولي العهد في المشهد السعودي غنية وكثيرة، ولكن يظل أبرزها مكافحة الفساد واستئصاله، فلا يخفى على أحد أن للفساد آثارًا سلبية على الاقتصاد والاستثمار من إعاقة لعملية التنمية، وإحباط جهود الدولة؛ فضلًا عن كونه إهدارًا لمواردها المالية، وبدلًا من توجيهها إلى خدمات ملموسة للمواطنين، تتحول إلى جيوب الفاسدين، وأرصدتهم البنكية، كما أن الفساد يدمر سمعة البلدان دوليًّا، ويعيق المستثمرين عن ممارسة أعمالهم، ويساهم في هروب رؤوس الأموال للخارج، وعزوف المستثمرين الدوليين عن الاستثمار في الداخل؛ بسبب البيروقراطية والرشاوى والفساد المالي والإداري بأشكاله كافة.

وحظيت الحملة على الفساد بتقدير دولي، عكسه تقدم المملكة في مؤشر مدركات الفساد العالمي لعام 2019 الذي يصدر عن منظمة الشفافية الدولية، ويشمل 180 دولة، وجاءت المملكة في المركز 51 عالميًّا، مرتقية مراتب عدة عن الأعوام السابقة.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org