التعليم عن بُعد.. لغة الحاضر لاستشراف المستقبل

التعليم عن بُعد.. لغة الحاضر لاستشراف المستقبل

أوجدت الظروف التي تمرُّ بها بلادنا نتيجة لجائحة كورونا (كوفيد 19) غموضًا يحيط بمصير العام الدراسي الجديد؛ وذلك بعد تأكيد السلطات الصحية ضرورة التباعد الاجتماعي لمحاصرة الفيروس، وضمان عدم انتشاره، ولاسيما بين أوساط الطلاب.

وتباينت المطالب بين من يدعون إلى تأجيل العام الدراسي حتى ينجلي الوضع الصحي، وآخرين يدعون إلى بدء الدراسة مع أخذ الاحتياطات اللازمة. بين هذا الرأي وذاك كان لوزارة التربية موقف وسطي، اتسم بالحكمة وبُعد النظر، وهو بدء العام الدراسي في الأسابيع السبعة الأولى عبر طريقة التعليم عن بُعد، على أن يتم تقييم الأوضاع بعدها، واتخاذ القرار النهائي لبقية العام.

بطبيعة الحال، إن التجربة بحسب حداثتها، وعدم اعتياد الناس عليها، أثارت مخاوف أولياء الأمور، ولاسيما أن التعليم قد ارتبط في أذهان الناس بذهاب الطلاب في الصباح الباكر لمدارسهم.. إلا أن التعليم عن بعد يعتبر أسلوبًا من الأساليب الحديثة للتعليم، وكثير من الدول المتقدمة تتبنى هذا النمط لما له من فوائد كثيرة. وبعض الدول تجمع بين التعليم النظامي والتعليم عن بُعد؛ إذ يذهب الطلاب إلى مدارسهم يومين في الأسبوع؛ يكونان مخصصَيْن للجوانب العملية من معامل وخلافه، وتكون الدراسة من المنازل بقية الأيام.

من أبرز المكاسب التي تتحقق من التعليم عن بُعد أنه يساعد في تقليل نسبة غياب الطلاب والتسرب الدراسي، ويوفِّر نظام متابعة دقيقة لمستوى تقدم الطلبة، إضافة إلى أنه يُنمِّي مهارات استخدام الطلاب وسائل التقنية، بما يساعدهم على مواكبة التقدم المتسارع في العالم. وكذلك يساعد في تسهيل العملية التعليمية؛ إذ تصبح الدراسة ممتعة وسريعة وسهلة الاستيعاب. وكذلك استشراف المستقبل، ولاسيما مع توجه السعودية لتطوير مجتمعها، والدخول بقوة في منظومة الدول التي تهتم بالذكاء الاصطناعي والتدابير التكنولوجية فائقة السرعة.

ومن المكاسب أيضًا تقليل نسبة الازدحام المروري وتكدس السيارات التي تنقل الطلاب.

أما الجوانب التي لا شك أن الطلاب سوف يفتقدونها فهي التواصل مع معلميهم، والاحتكاك المباشر مع أقرانهم وزملائهم، والدخول في أجواء الدراسة بصورة عملية؛ فالتعليم ليس مجرد دروس ومحاضرات، بل هو عملية تربوية متكاملة.

وبإجراء عملية حسابية سريعة للمكاسب والمساوئ التي تنطوي على هذا الأسلوب نجد أن جائحة كورونا ربما تكون قد أتاحت لنا فرصة ذهبية لتجربة هذا الأسلوب التعليمي الجديد. وخلال الفترة الماضية دعا كثيرون إلى تجربته ولو بصورة جزئية لحل مشكلة تزايد عدد الطلاب وتكدسهم داخل الفصول، لكن لحساسية التعليم وأهميته لم تجد تلك الدعوات آذانًا مُصغية.

وبما أننا أصبحنا أمام ذلك الخيار بسبب الظروف الراهنة فإن هناك بعض الاشتراطات التي لا بد من الإيفاء بها قبل انطلاقة العام الدراسي، أهمها يقع على عاتق شركات الاتصالات بضرورة زيادة سعة شبكاتها، وضمان وصولها لكل مناطق السعودية؛ ليحصل الطلاب في القرى النائية على الخدمة التي تمكِّنهم من متابعة دراستهم بصورة منتظمة وأسعار مناسبة حتى لا تشكِّل عبئًا إضافيًّا على أولياء الأمور. كذلك ينبغي مراقبة الأسواق؛ كي لا يستغل التجار كثرة الإقبال على شراء أجهزة الكمبيوتر أو الأجهزة اللوحية؛ وبالتالي ترتفع أسعار تلك الأجهزة.

كما أن على وزارة التربية الاهتمام بتهيئة الطلاب والمعلمين للتعامل مع الظروف الاستثنائية التي أوجدتها الجائحة، والتقييم الحقيقي للتجربة عقب نهاية الأسابيع السبعة لمعرفة نتائجها على أرض الواقع.

وقبل كل ذلك نوجِّه دعوة للأسر وأولياء الأمور لأخذ الموضوع على محمل الجد، وعدم التهاون فيه، وذلك بتوفير أجواء مناسبة لأبنائهم، والاهتمام بتلقي الدروس ومراجعتها واستذكارها؛ فهم أعز ما نملكه، وأقيم ما يراهن عليه هذا الوطن المعطاء لمواصلة مسيرة النهضة والتنمية والازدهار.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org