تركيا- قطر.. اصطفاف عدائي وشراكة تصنعها الأزمات

قرار مكبل بالإملاءات.. وأوهام تبددها محدودية الإمكانات
تركيا- قطر.. اصطفاف عدائي وشراكة تصنعها الأزمات

محمد صبح : ما بين تمنع وتجاهل مطبق، ثم هرولة واسترضاء سخي، جاء رد الفعل القطري على أزمة الليرة التركية، موقفاً غامضاً بين متناقضين، لا يُعلم أيهما يعبر عن حقيقة نوايا الدوحة من حليفها التركي، فالأمر بات أشبه بالأحجية التي لا تفتأ تستقر على حال في التعبير عن الموقف القطري من الأزمة التي تعصف بتركيا، كما يفتقر إلى منطق واضح خلال تحوله من التمنع إلى الهرولة، ومن التجاهل إلى الاسترضاء.

ضغوط منسقة

وبقدر ما أن التحول القطري من الأزمة التركية مثير للاستغراب والتساؤل، فإنه لا يمكن تجاهل سياق تتابع الأحداث في الكشف عن أسباب هذا التحول، فجمود الدوحة بدأ فعلياً في الذوبان عقب حدثين أساسيين، الأول الهجوم العنيف الذي شنته صحيفة "تقويم" التركية على قطر، الثلاثاء الماضي منتقدة صمتها إزاء الأزمة، ومعربة عن إحباط تركي عارم من ظهور موقف قطر بهذا المستوى غير الداعم لأنقرة، والثاني مبادرة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى الاتصال بالشيخ تميم بن حمد في اليوم ذاته الذي هاجمت فيه "تقويم" قطر، ليُعلن في اليوم التالي من جانب الدوحة وأنقرة معاً عن زيارة عمل يقوم بها أمير قطر إلى تركيا مصطحباً معه وفداً رسمياً رفيع المستوى.

ففي إطار هذه المجريات المفاجئة، يصعب تصنيف زيارة أمير قطر لتركيا على أنها زيارة طوعية؛ لأنها جاءت نتيجة ضغوط منسقة من جانب تركيا، ممثلة في الانتقادات اللاذعة التي وجهتها "تقويم" لقطر وهي صحيفة مقربة من الحزب الحاكم في تركيا وتعبر عن سياساته ومواقفه، ولا يمكن غض الطرف عن التمثيل الرسمي الذي عبرت عنه، وكذلك اتصال الرئيس أردوغان، ما يعزز الاستنتاج بأن أمير قطر زار أنقرة مدفوعاً بضغوط تركية عنيفة، صممت على أن يشارك في المشهد، وأن يظهر بالصورة التي تريدها أنقرة مقدماً دعمه لها.

ترويج الدعم

لقد تحقق لتركيا ما أرادت، فتوجه الشيخ تميم إلى أنقرة واجتمع بأردوغان، وتمخض لقاؤهما عن إعلان قطر عن حزمة مساعدات لتركيا بقيمة 15 مليار دولار ما بين ودائع في البنك المركزي التركي ومشاريع استثمارية، وكان من اللافت ترويج الحساب الرسمي للشيخ تميم على "تويتر" للدعم المقدم لتركيا، في الوقت الذي خلا فيه حساب أردوغان على "تويتر" من أي إشارة شكر على السخاء القطري، مكتفياً بالتحدث عن مأدبة الغداء التي ضمتهما.

ووفقاً لما تكشف عنه المجريات المفاجئة لتحول الموقف القطري، فإنه لا يمكن الزعم بوجود إرادة حرة للدوحة في التطورات التي حدثت، فتحول موقفها جاء استجابة للضغوط التركية ولا يمكن اعتباره إلا رضوخاً لمشيئة أنقرة، وذلك يتعارض تماماً ما تعلنه قطر دائماً حول استقلالية قرارها، التي انتهكتها بالكامل في زيارة أميرها لتركيا.

مسارات متعارضة

لم تخطئ تركيا في حساباتها، حتى وإن تأخرت في تحقيقها، فهي تعلم أن شراكتها مع قطر تأسست على ضغوط الأزمات التي عصفت بالطرفين سابقاً، وبناء على ذلك فإن ممارستها للضغوط على قطر تنطلق من دوافع تنسجم تماماً مع منطق شراكة الأزمات التي نهضت عليها علاقات الطرفين، لكن يظل تنكر قطر لهذا المنطق مثيراً للرثاء، لاعتقادها أن شراكتها مع تركيا قائمة على القواسم المشتركة في عوامل القوة والسياسات، وتلك أوهام تبددها محدودية إمكانياتها في الواقع كدول صغيرة جغرافياً وسكانياً.

وبصرف النظر عن صحة فهم كل من تركيا وقطر لحقيقة الشراكة بينهما، فإن هذه الشراكة تمثل اصطفاف عدائي ضد العرب؛ لأنها تتبنى أهدافاً خارج منظومة المصالح العربية وفي الصدارة منها الأمن والاستقرار، وتعمل على مسارات متعارضة مع سياسات الدول العربية، وهذا ما يعمق من أزمات أنقرة والدوحة لانعدام التعاطف والتأييد العربي لهما.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org