عاصفة "سنة الطبعة" المدمرة قتلت 8000 مواطن خليجي في ساعة واحدة

روايات يرويها الأجداد حول الكارثة التي وقعت في بداية أكتوبر 1925م
عاصفة "سنة الطبعة" المدمرة قتلت 8000 مواطن خليجي في ساعة واحدة

ربما يجهل بعض المواطنين في دول الخليج العربي حجم الكارثة التي ألمّت بمنطقتهم في بداية شهر أكتوبر من عام 1925م، التي أودت بحياة قرابة 8000 شخص خلال ساعة واحدة فقط؛ إذ تعرضت المنطقة في نهاية شهر سبتمبر من ذلك العام لعاصفة شديدة، وصفها بعض مَن عايشها من كبار السن بـ "الإعصار المدمر"، وعُرفت محليًّا في منطقة الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية والبحرين وقطر وجنوب الإمارات بـ"سنة الطبعة".

وأورد المؤرخون أن العاصفة دمرت نحو 80 % من سفن ومراكب الصيد التي كانت موجودة في عرض البحر لحظة حدوث العاصفة، كما ألحقت دمارًا وخرابًا واسعًا بالمنازل والممتلكات في المناطق الساحلية، خاصة بالقطيف شرق المملكة العربية السعودية؛ وعمّ الحزن والخوف على طول السواحل الشرقية للخليج العربي بعد أن رملت العاصفة آلاف النساء، ويتمت أطفالهن، وفقًا لـ "طقس العرب".

روايات الأجداد

ويروي كبار السن من الصيادين الذين كانوا في عرض البحر تفاصيل مهمة لخبراء الطقس عما يذكرونه عن ليلة الجمعة 13/ 3/ 1344؛ فقد كانت ليلة مميزة بشدة هدوئها وصفائها، وقمرها الذي كان بدرًا يتوسط السماء. أما عن البحر فكان كلوح زجاجي في وصف يعكس شدة سكون الرياح. وقبيل انتصاف الليل، والبحارة نائمون، ظهرت فجأة في الأفق "سحابة حمراء"، اقتربت نحوهم بسرعة كبيرة. وما إن وصلت حتى هبّت معها رياح عاتية، ليست بطبيعتها كأي رياح؛ فقد كانت تهبط عليهم من الأعلى، تحمل معها كميات من الحصى والرمال.. وزمجرت الرعود، وتلاطمت أمواج البحر. وما هي إلا لحظات حتى تحولت أغلب السفن إلى حطام بعد أن انقلبت وتقاذفتها الأمواج، وتحول من فيها من بحارة إلى قتلى، تتقاذفهم مياه البحر.

ويروي العم "إبراهيم بن علي المريخي" في لقاء تلفزيوني تفاصيل مأساوية لقصة الناجي الوحيد من بين طاقم سفينة قلبتها الرياح، وتحولت إلى حطام قرب أحد مغاصات اللؤلؤ في عرض البحر.

الكارثة في البحرين

ويؤكد الطبيب "بندر كار"، أول طبيب وصل إلى البحرين مطلع عام 1925م، أن الكارثة التي ضربت المنطقة في ذلك اليوم تحمل تفاصيل مأساوية، لن ينساها أبدًا؛ كونها أدخلت الحزن على كل منزل في البحرين لفقد أحد أفراده.

وذكر "بندر كار" أن عدد السفن التي كانت موجودة في مغاصات اللؤلؤ وسط الخليج وقت العاصفة وصل إلى 700 سفينة، تحمل على متنها قرابة 25 ألف بحار، وفور انجلاء العاصفة تجمهر الناس على السواحل لتفقُّد ذويهم، وللتعرف على الجثث، ومعرفة من عاش ومن مات في هذه الكارثة.

التحليل العلمي

من خلال المعطيات والروايات التي لدينا، وفي ظل غياب منظومات الأقمار الاصطناعية والرصد الجوي في تلك الفترة، يمكن التوصل إلى أن الحالة الجوية التي تأثرت بها المنطقة لم تكن إعصارًا على وجه الدقة، بل كانت ناتجة من حالة قوية من عدم الاستقرار الجوي، تأثرت بها الأجزاء الشرقية من السعودية، التي عملت بدورها على تشكل عاصفة رملية جدارية ضخمة، حملت معها الأتربة والحصى؛ لتندفع سريعًا نحو مياه الخليج العربي وصولاً إلى قطر والبحرين وجنوب الإمارات.

فـ"السحابة الحمراء"، وسرعة حركتها الفائقة، والكمية الكبيرة التي تحملها من الحصى والرمال، تدل على أنها عاصفة رملية "جدارية"، وليست إعصارًا. كما أن الإعصار غالبًا ما يبدأ تأثيره بشكل تدريجي، وليس مفاجئًا كما حدث في ذلك اليوم.

وحول رأي المختصين في مركز "طقس العرب" الإقليمي أكد المتنبئ الجوي حسن عبدالله أن المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية قد تأثرت بحالة قوية من عدم الاستقرار الجوي؛ إذ لوحظ تدفق هواء بارد عبر الطبقات العليا والوسطى من الجو بالتزامن مع أجواء حارة ورطبة، عملت على تطور حالة قوية من عدم الاستقرار الجوي، وتشكُّل السحب الكثيفة، وتساقُط الأمطار الرعدية الغزيرة المصحوبة برياح قوية.

وعادة تشهد المنطقة الشرقية في ذلك الوقت من العام تطور السحب الرعدية نتيجة لبداية تدفق الهواء البارد عبر الطبقات العليا، ويُطلق عليها محليًّا اسم "الحقبان"، وتحصل عادة في قطر والبحرين وسواحل الخليج العربي في ذلك الوقت من العام. وربما كانت هذه الحالة قوية جدًّا في ذلك العام، وتطورت بشكل كبير، وعملت على تشكل العواصف القوية، وليست مجرد سحب رعدية محلية ضيقة التأثير كما يحدث عادة.
يُذكر أن العواصف الرعدية التي تتشكل محليًّا في الخليج، المتزامنة مع الأجواء شديدة الحرارة والرطوبة، تكون قوية جدًّا، ومصحوبة برياح شديدة نظرًا لتوافر الطاقة الكامنة الكبيرة الموجودة في بخار الماء الموجود بكميات كبيرة في الهواء الحار.


أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org