"عيوش ويه.. ويه" و"صامولي" الملايين

"عيوش ويه.. ويه" و"صامولي" الملايين

أقترح على مفكرينا وكبار أدبائنا وشعرائنا التنحي جانبًا أمام الزحف "الصامولي المليوني"؛ فلم يعد لهم الوهج الإعلامي الذي كانوا يحظون به قبيل عقود قليلة؛ إذ جاء مَن يملأ شاشات الأجهزة الذكية بمختلف أنواعها بزخم من مقاطع الفيديو، التي رفعتها إلى قمة السخونة، بحسب المصطلح اليوتيوبي، ولم ولن تكون أغنية "الصامولي" أو "عيوشة هيه هيه" آخرها.

الفضاء الإلكتروني أضحى ميدانًا رائجًا لمثل هؤلاء، يتسيدون أيقونات اليوتيوب، ويشعلون فتيلته.. البعض يقول: إن تلك الأرقام الفلكية في أعداد المشاهدة قد لا تكون واقعية 100 %، بل ربما تأتي بحسب توجُّه كشاف اليوتيوب؛ يرفع من يشاء، ويهمش من يشاء.. فتلك المقاطع قابلة لجذب الأنامل الصغيرة. ويصفون استغرابهم بما حققه فيديو كليب كصامولي، ورقصة كرقصة بريئة للطفلة عيوشة، وهما مقطعان يتم تداولهما كأشهر المقاطع خلال هذه الأيام، بل حتى أن بعض القنوات الفضائية تتسابق لإجراء مقابلات مع هؤلاء!

كيف حدث هذا المنجز العظيم؟ وفي واقع الأمر ما هي إلا كلمات هابطة، ورقصة ساذجة.. وخذ من أرقام مذهلة عن عدد المشاهدين والمتداولين! والبعض يقول إن معظم متابعي هذه المقاطع من شريحتَي الأطفال والشباب، ويسرون ويبتهجون بتداولها؛ إذ لا تخلو من المرح والمتعة رغم سطحيتها. وهذا الرأي صحيح إذا ما حسبنا نسبة الشباب والأطفال؛ إذ يمثلون النسبة الكبرى من السكان؛ ما جعلهم يحركون محركات قوقل؛ لتنتشر تلك المقاطع كانتشار النار في الهشيم، وكسرعة البرق في ليالي الشتاء. فئة ثالثة لها رأيها تقول: إن الأرقام غير دقيقة بتاتًا؛ فهناك من يتلاعب في وضع الأرقام؛ ما يستثير المتابعين؛ ليتهافت الكثيرون، وخصوصًا صغار السن. وبالفعل تمكَّن البعض من تحقيق شهرة واسعة، لم يصل لها شاعر فحل، أو روائي أريب، أو حتى مفكر عبقري.. أما لماذا؟ فلأن الإعلام الجديد أصبح أغلبه في أيدي صغار السن، وهم الذين يتفاعلون ويرسلون ويعجبون.. فما الذي جعل ابني الصغير الطالب في المرحلة الابتدائية يكرر سماع أغنية صامولي، ويحفظ كلماتها، ويقلد حركات مؤديها؟.. وسؤال آخر: هل بالفعل مثل هؤلاء الذين تجاوز عدد متابعيهم الملايين تتحقق لهم مكاسب مالية؟ ومَن يمنحهم؟ مما دفع بالبعض للسعي لابتكار أي طريقة في سبيل تحقيق الشهرة السريعة حتى لو أخرج رأسه من كرسي الحمام - أكرمكم الله - كما فعل أحدهم!! أم أن كل تلك الحالات وهمية؟ هكذا وصل الحال بالبعض بحثًا عن الشهرة، وبأي طريقة أو أسلوب.. فمن خلال مقطع ساذج يمكن أن يصل إلى ملايين المتابعين! بينما أستاذ النقد في أكبر جامعة سعودية، أو حتى غير سعودية، يقبع في قاعة لا يتجاوز الحضور بها عدد أصابع اليدين، وإذا بُثت محاضرته عبر اليوتيوب تكون المشاهدة ضئيلة جدًّا! بالفعل عالم عجيب، صنعه الإعلام الجديد! ويا ترى، ماذا بعد يمكن أن يصنعه الإعلام الجديد والأجدد في قادم الأيام؟ سيحدث ما هو أدهى وأمرّ وأغرب.. فقط نترقب ما تولده البرامج من برامج مبتكرة، تجعل البرامج التي نراها حاليًا حديثة في عداد البرامج المحنطة.. فقط ننتظر القادم المذهل، بل حتى المخيف.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org