كانوا_معنا.. الشاعر "عيد بن مربح الرشيدي".. صاحب قصيدة "المور" الشهيرة.. عانى الظروف وغلبها بعزمه

غادر الدنيا بعد مسيرة عطاء أثرى من خلالها الساحة النبطية بأشعار خالدة
كانوا_معنا.. الشاعر "عيد بن مربح الرشيدي".. صاحب قصيدة "المور" الشهيرة.. عانى الظروف وغلبها بعزمه

في 26 سبتمبر 2018 م فقدت الساحة الشعبية رمزًا من رموزها، هو الشاعر عيد بن مربح القلادي الرشيدي، الذي وافته المنية عن عمر تجاوز السبعين عامًا، بعد مكوثه بالعناية المركزة أيامًا عدة.

و"ابن مربح" غادر الدنيا بعد مسيرة عطاء شعرية، استمرت عقودًا، أثرى من خلالها الساحة النبطية بالقصائد والأبيات التي يرددها هواة الشعر، ومن غير الهواة كذلك؛ لما تمثله من حِكَم ينظمها "ابن مربح" من وقائع حياته التي عايش صروفها.

عُرف "ابن مربح" بجمال قصائده، وعذوبة مفردتها، وسارت الركبان بأكثر من قصيدة.

حياة "عيد بن مربح"

هو عيد بن مربح القلادي الرشيدي. وُلد في مدينة الحليفة (200كلم جنوب حائل) في عام 1948م، وانتقل في بداية حياته إلى الطائف مع والده الذي كان يعمل بالسلك العسكري آنذاك. وبعد تقاعد والده عاد إلى ديار قبيلته بمنطقة حائل، واهتم برعي إبل ومواشي والده حتى دخل عمر الشباب، واتجه إلى الرياض للعمل بها، ومساعدة أسرته في تحمُّل ظروف الحياة، إلا أنه لم يجد عملاً مناسبًا له؛ فتوجه للكويت التي عمل بها في الجيش الكويتي حتى استقال منه عام 1990م.

بعد ذلك رجع لنجد في السعودية؛ ليبدأ مشوار العمل الحر بعد أن استدان مبلغًا لشراء شاحنة نقل "مور" لنقل بضائع عليها داخل السعودية وخارجها. واستمر على ذلك سنوات عدة، كوَّن من خلالها نفسه، رغم صعوبة العمل وقلة المردود المالي. وتوجه للعمل في شركة "جيتي" أو ما تسمى "شيفرون" بالكويت، وعمل بها لمدة 24 عامًا حتى تقاعد منها في 2009. وكان يسكن في محافظة الخفجي بالسعودية لضمان تدريس أبنائه بالمدارس السعودية، فيما يذهب للعمل ويعود منه في الكويت طيلة خدمته. وبعد تقاعده استقر بالخفجي باقي حياته.

مشاركات "ابن مربح العسكرية"

وعن مشاركاته العسكرية قال ابنه "غريب" إن والده شارك في الدفاع عن الوطن بكل ما يملك، ويعتبر ذلك أحد أهم واجباته تجاه هذا الوطن المعطاء عليه. ونظم العديد من القصائد الدفاعية عن الوطن، وظهر ذلك جليًّا في محاوراته ومساجلاته. فيما أسهم بالذود عن الوطن بجسده؛ فتطوع في مركز تدريب المتطوعين في حائل عام 1411هـ، وحصل على نوط الشجاعة من مصر.

حياته الشعرية

وتحدث عن ذلك أخوه "فوزي" الذي أكد أن الشاعر "ابن مربح" ابن عائلة شعرية؛ فوالداه شاعران، وأشقاؤه وإخوته شعراء، وأبناؤه لاحقًا شعراء.

وأضاف: "عيد" بدأ الشعر في سن الخامسة عشرة؛ إذ كان يتحاور مع والده ويساجله كثيرًا، ويساجل ويحاور إخوته، حتى صقل كل منهم موهبته في الشعر.

وأردف: الشاعر "عيد بن مربح" كغيره من الشعراء تأثر بشعراء عديدين، إلا أن تأثره بدا وضحًا ببعضهم الذين يُشار لهم بالبنان، منهم الشاعر عبدالله من حمود بن سعد بن سبيل الباهلي، والشاعر مرشد سعد البذال الرشيدي، والشاعر صقر بن مسلم بن زيد النصافي الرشيدي، والشاعر عايض بن رويشد الأبيتر القلادي الرشيدي، والشاعر عبدالله بن مستور المسعودي. فيما تأثر بالعديد من الشعراء الذين يجيدون القصيد الجزل، وحرص على حفظ قصائدهم، وترديدها، والاستشهاد بها في أحيانًا كثير من أحاديثه بالمجالس.

"ابن مربح" وفن المحاورة

وأشار "غريب" ابن الشاعر "عيد بن مربح" إلى أن والده وجد في نفسه فن المحاورة أكثر من غيره من فنون الشعر الأخرى؛ وذلك لحب والده نظم الأبيات ارتجالاً لثقته بمخزونه الشعري والثقافي، وإلمامه بتاريخ الأشخاص ونسبهم وتاريخ الأماكن والأحداث المختلفة، التي استفاد منها من تأثره بالشعراء البارزين أصحاب القصيد الجزل.

وأضاف بأن هذا الفن قد أبعد والده قليلاً عن نظم القصائد والمساجلات الشعرية؛ إذ كان والده يحفظ قصائده وقصائد الآخرين دون كتابتها؛ وذلك لسرعة بديهته وحفظه.

وعمن يحاور والده أشار "غريب" إلى أن والده لم يحاور أي شاعر يرى أن شعره لا يرقى لمستوى الجزالة. وقبل المحاورة يحرص على متابعة شعر الشاعر، واختبار مدى قوة شاعريته؛ لذا أصبح مقلاً في محاورة شعراء كثيرين؛ إذ يحرص على شعراء المحاورة الفطاحلة. وأشار إلى أن والده كان يحرص على الابتعاد عن جميع أماكن الشعراء التي قد يسودها نوعٌ ممن الشحناء أو التحيز أو العنصرية، وكان يرفض تلبية المشاركة في مناسبات عدة إذا رأى أن هناك شاعرًا قد يمسّ من أحد.

وعن أهم المحاورات التي جرت بين والده وشعراء آخرين أوضح أن والده حاور الشاعر صياف بن عواد بن شميلان السحيمي الحربي –رحمه الله-في الكويت عام 1404هـ في محاورة كانت الأقوى في ذلك الوقت؛ لما بذله الشاعران (والدي والشاعر صياف –رحمهما الله-) حتى تم تداولها على نطاق واسع. ولا يزال محبو المحاورة يرددون أبياتها.

وأضاف أخوه "فوزي" بأن الشاعر عيد - رحمه الله- أسهم بازدهار وتوهج فن القلطة (المحاورة)، وأصبح نبراسًا للشعراء في عصره، وكان له نصيب الأسد في هذه المساهمة، وتميز بأسلوبه الأدبي؛ فهو قوي الحجة، وفكاهي في الوقت نفسه، إضافة لقوته في فك شفرات الشعر، وسرعة بديهته؛ وهو ما أدى لتميزه في ذلك الوقت -رحمه الله -.

أقرب أبيات "عيد بن مربح" للناس

وعن أقرب أبيات الشاعر "عيد" للناس، وأكثرها تداولا، أشار أخوه "فوزي" إلى أن جميع أبيات الشاعر أصبحوا يسمعون ترديدها في المناسبات والمواقف المتعددة.

ومن الأبيات التي يرى الشاعر فوزي أنه أصبح ترديدها كثيرًا، ويعتبرها الشاعر فوزي قريبة منه، قول عيد بن مربح "ليا انعدم مبـدى العقيـدة بالإنسان**يقدر يسوي مـا يسـوي اليهـود". وأيضًا بيته الشهير بقصيدته "علاوي نجد" الذي يقول فيه "شفت ناس ترسم الورد في صدر الغراب** والغراب إليا بغيت ألمس الورده يطير".

قصيدة "يالمور خذ خانة الخامس من اليمنا"

وكان الشاعر "عيد بن مربح" في لقاء تلفزيوني على قناة الصحراء قد كشف مناسبة هذه القصيدة، وهي أنه كان قد استدان من أقاربه مبلغًا لشراء شاحنة نقل "مور" لنقل البضائع من مكان لآخر لتغطية متطلبات حياة عائلته إلا أن الدخل أصبح أقل من المبلغ المطلوب تسديده أقساطًا للدائنين؛ وذلك بسبب قلة العمل في منطقته؛ فقرر أن يجوب الديار على "المور" لنقل البضائع، وإن أدى ذلك إلى إلحاق التعب بنفسه، أو حتى الضرر بشاحنته؛ فخاطب شاحنته بهذه الأبيات التي أشار بها إلى أنها يجب أن لا تشكو من السفر أو الضرر حتى يجمع ما عليه من ديون لتسديد غرمائه.

وأشار "ابن مربح" -رحمه الله- إلى أن الدائنين بعد سماعهم القصيدة طلبوا منه العودة إلى أهله، وتسديد ما لهم عليه من مبالغ بيُسر، وإن طالت مدة فترة سداده لهم. فيما أصر بعضهم على أن يستوفي حقه من ابنه "غريب" بعد توظفه؛ إذ كان "غريب" يبلغ من العمر خمس سنوات أثناء كتابة القصيدة، وكان الدائن يقصد بذلك التيسير على "عيد بن مربح"، وذلك كناية عن أنه ليس بحاجة إليها في ذلك الوقت.

علاقة "ابن مربح" بالناس

وعن مدى علاقة الشاعر عيد بن مربح بالناس أكد أن "عيد" محبوب من الجميع، ويحب الحب، ومواقفه الكثيرة تدل على حبه للناس، وحب الناس له، وهي لا تحصى؛ فتارة تجد ذلك في حديث المجالس، وتارة أخرى تجده في قصائده، وأخرى في محاوراته مع الشعراء.

وعن علاقة الشاعر بأصحاب النفوذ في البلد، سواء في السعودية أو الكويت، أشار إلى أن جميع قادة البلدين لهم مواقف مشرفة كعادتهم مع الشاعر "عيد". فيما لقي الشاعر"عيد" قبولاً كبيرًا على مستوى قبيلة بني رشيد وباقي القبائل الذين أصبحوا يرون فيه الحكمة الشعرية الرصينة.

كيف يرى "ابن مربح" الساحة الشعرية الحالية؟

وأشار "فوزي" إلى أن الفقيد كان يرى الساحة الشعرية الحالية بالساحة الهزيلة، مع وجود شعراء لهم ثقلهم الشعري وحكمتهم، وتميزهم في فنون الشاعر، إلا أن عدم وجود ضابط يوضح مدى جزالة الشعر في الساحة الحالية، ولاسيما بعد دخول مواقع التواصل الاجتماعي الساحة، أتاح للجميع نشر أبيات، لا ترقى نهائيًّا إلى أن تسمى بالشعر لعدم وجود أدنى المقومات الشعرية فيها.

وعن وجود الفقيد في مواقع التواصل الاجتماعي لفت إلى أنه كان يتابعها عن طريق أبنائه، وأن له حسابًا شخصيًّا بإشراف ابنه "غريب" الذي يتواصل مباشرة مع جمهور والده، ويلبي لهم قصائد والده التي يرغبون فيها، وذلك بشكل يومي، وينشر "غريب" عبر ذلك الحساب قصائد والده بشكل مستمر.

"ابن مربح" والأمسيات الشعرية

وعن مدى حرص الشاعر "عيد" على تلبية الدعوات للأمسيات الشعرية أشار "فوزي" إلى أن أخاه يحرص على تلبية الدعوة التي يراها مناسبة، لكنه ظهوره مُقلٌّ جدًّا في الأمسيات التي تحظى بزخم إعلامي.

وكان الشاعر "عيد" يشجع شعراء الجيل الحالي، ويشدد على أهمية نظمهم الجزل من الشعر، والابتعاد عن الهزيل منه، وأن قصيدة الشاعر تعكس شخصيته، ومدى ثقة بقية الشعراء به، والحرص على التقرب منه من عدمه.

وكان يحرص على محاورة المتميز منهم، أو مساجلتهم، ويبتعد عمن يكون شعره هزيلاً.

مناسبة "علاوي"

وعن مناسبة قصيدته "علاوي نجد" أشار أخوه إلى أنها ظروف الحياة وصراع الذات وتذكُّر الشاعر منازله التي تركها بديار قبيلته في حائل.

واختتم الشاعر "فوزي" حديثه عن أخيه - رحمه الله- بأنه توفي ولم يتقاضَ أي مقابل على شعره أو محاوراته؛ وذلك ليقينه بأن شعره ليس مِلكًا له، بل لمن يحتاج إليه في أي وقت أو أي مكان.

تأثيره في أبنائه

وعن مدى تأثُّر أبنائه وبناته بشاعريته تساءل "غريب": كيف لا يتأثرون؟ وهو كان قد أفرد كل واحد منهم بقصيدة أو أكثر من قصيدة، سواء من الأولاد أو البنات، وينظم العائلة كافة القصيد، وإن كان بعضهم مقلاً في ذلك.

وأشار ابنه غريب إلى أن والده كان حريصًا على تدريسهم، ويتابعهم باستمرار عبر مدارسهم، حتى أنه يتواصل مع المدرسة هاتفيًّا في حالة عدم وجوده بالقرب منهم.

وأضاف: ترك والدي لنا جميعًا حرية اختيار التخصص في الثانوية العامة والجامعات. مضيفًا بأنه وشقيقين له فضّلا العمل مباشرة بعد الثانوية لمساعدة والدهم في متاعب الحياة؛ فالتحقوا بأرامكو كفنيين، والحمد لله الآن هم في مواقع مناسبة في الشركة، فيما ترك لشقيقهم الأصغر حرية اختيار إكمال دراسته الجامعية في التخصص الذي يرى نفسه به.

"ابن مربح" في رمضان

وفي رمضان قال "غريب" إن والده كان حريصًا على استغلال أوقات الشهر الفضيل، ويحثهم على استغلال أوقاته بالذكر، وكان قبل رمضان يتفقد من يراه محتاجًا، ويساعده بما يقدر عليه، وكان يحرص على زيارة أقاربه وأصدقائه في ليالي رمضان، ويحرص كثيرًا على قضاء أيام العيد في قرى أقاربه المختلفة، والاجتماع معهم، ويوصي أبناءه بالحرص على صلة رحمهم، ودعم كل ما يعمل على تمتين ذلك.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org