الفوترة الإلكترونية تدعم شفافية الاقتصاد

الفوترة الإلكترونية تدعم شفافية الاقتصاد

لتشديد الخناق على المتسترين، وتعزيز الشفافية والمنافسة العادلة، ولاستكمال الخطوات الرامية للتوجه صوب التحول الرقمي في جميع تعاملات الجهات العامة، أطلقت السعودية خلال اليومَين الماضيَين مشروع "فاتورة" للحد من تعاملات الاقتصاد الخفي، وتمليك الشباب السعودي القدرة على المنافسة في مجال ريادة الأعمال، وفتح الطريق أمام ازدهار وتنمية اقتصادات المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

المشروع يأتي في سياق رؤية السعودية 2030 التي هدفت بصورة أساسية لمحاربة الظواهر الاقتصادية السالبة التي ظلت تؤثر على الاقتصاد الوطني عقودًا طويلة، وتسببت في زيادة الهدر المالي الذي كان يتسرب إلى الخارج، ويحرم الدولة من مداخيل هائلة، كان يمكن أن يعاد ضخها في شرايين الاقتصاد لتحدث الطفرة التنموية المنشودة التي تنعكس خيرًا على المواطن.

والرؤية نادت في كثير من المبادرات بضرورة تعزيز مناخ الشفافية والوضوح، وتمليك صناع القرار المعطيات الحقيقية والإحصاءات الواقعية التي تقود إلى ترسيخ التخطيط السليم؛ فلا يمكن لأي خطة اقتصادية أن تحقق غاياتها إذا لم تكن قائمة على معلومات فعلية مستمدة من الواقع، وهذا ما لا يمكن تحقيقه إلا في ظل توافُر إحصائيات حقيقية عن مقدار الدخل والتكلفة والبيانات كافة التي تعين الخبراء على وضع الخطط المناسبة التي تستصحب المتغيرات والظروف، وتتعامل بالأرقام والحقائق.

من أهم مميزات المشروع الاعتماد على التقنية الحديثة في دعم صناع القرار على اتخاذ القرارات المناسبة، ومواصلة السير في طريق التحول الرقمي؛ وهو ما سينعكس إيجابًا على الاقتصاد السعودي، ويضيف إليه المزيد من الخصائص التي تتطلبها عملية جذب الاستثمارات الأجنبية، وذلك من واقع توفير أجواء من الشفافية والحوكمة والمؤسسية، وهو ما ركزت الدولة على تحقيقه خلال الفترة الماضية، وكان له الأثر الكبير في تعزيز المكانة الاقتصادية والمالية للمملكة، حسب العديد من المؤشرات والمراكز المتخصصة.

كذلك فإن من أهم المكاسب التي سوف تتحقق خلال الفترة المقبلة من تطبيق مشروع الفوترة الإلكترونية تسهيل عمليات التمويل البنكي لمشاريع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ فالبنوك التجارية التي تعتمد على أموال المودعين ملزمة -بطبيعة الحال- بقوانين صارمة واشتراطات معينة لتقديم التمويل، وكانت تجد صعوبة شديدة في تحديد نسبة نجاح المشاريع، ومن ثم إمكانية الإسهام في تمويلها، لكنها في ظل المشروع الجديد ستكون أكثر قدرة على التحرك، وتكتسب مرونة إضافية، تتيح لها توسيع صلاحياتها. فالفوترة الإلكترونية تضمن توافُر قوائم مالية دقيقة، إضافة إلى أن الإجراء الجديد يرفع كفاءة وتشغيل المنشآت، ويخفض التكاليف من خلال تنظيم الأعمال المحاسبية بشكل أمثل.

الجانب الأكثر أهمية في الأمر هو أن الإجراء الجديد سيضيّق الفرصة على الذين اعتادوا ممارسة التستر التجاري، ذلك السرطان الذي ظل لفترة طويلة ينهش جسد الاقتصاد الوطني، لكن الآن يمكن للمواطن أن يمارس دوره في الرقابة والإبلاغ عن المخالفين، فالتعاملات الاقتصادية كافة سوف تكون أمام الجهات المختصة.

إضافة إلى كل ذلك، يبقى هناك هدف آخر، لا يقل أهمية عن كل ما سبق، هو تزايد إمكانية تحقيق الشفافية على حركة النقد، ومحاربة جرائم غسل الأموال التي اتخذت أشكالاً كثيرة ومتعددة، والاستمرار بصورة أقوى في تجفيف منابع الإرهاب؛ فالإحصاءات الأمنية تؤكد أن النصيب الأكبر من مصادر التمويل التي تعتمد عليها كيانات العنف والتطرف يأتي من الأموال مجهولة المصدر.

بالطبع هناك من لا يزال يتخوف من التعاملات الجديدة، ويتوجس من الإجراءات التنظيمية، وحتى هؤلاء تم وضعهم في الاعتبار؛ إذ ستشهد الفترة المقبلة – حسب تأكيدات المسؤولين – حملة توعية مكثفة لتوضيح مزايا النظام الجديد، وآثاره الإيجابية على الأطراف كافة، ومن ثم سيبدأ تطبيق المرحلة الأولى على المكلفين ابتداء من 4 ديسمبر المقبل؛ إذ يتم إصدار وحفظ الفواتير الضريبية والإشعارات المدينة والدائنة المرتبطة بها بطريقة إلكترونية.

بعد ذلك بشهر تقريبًا سيبدأ تنفيذ المرحلة الثانية بشكل مرحلي لترسيخ التكامل بين الأنظمة الإلكترونية للمكلفين وأنظمة هيئة الزكاة والضريبة والجمارك. وهذا التدرج في التنفيذ سيمنح الفرصة الكاملة للاطلاع على بيانات المشروع كافة، والإلمام بكل جوانبه؛ وهو ما سيقود إلى التعامل معه بسهولة تامة، ولاسيما أن جميع التفاصيل تم وضعها على موقع هيئة الزكاة والضريبة والجمارك.

بلادنا تسير -بحمد الله- في طريق التنمية والرخاء، وتسعى جاهدة للحاق بركب الاقتصادات المتطورة؛ وهو ما يستوجب زيادة الاعتماد على التقنية، والاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي. وكل ذلك دعم للقطاع الخاص الذي أولته الدولة جُلّ عنايتها؛ ليقود قاطرة الاقتصاد نحو مرافئ النمو والازدهار.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org