إسبانيا.. المملكة التي تخلت عن "قيلولتها" لتنهض وسط الكبار

تحظى بإرث تاريخي وثقافي إسلامي كبير
إسبانيا.. المملكة التي تخلت عن "قيلولتها" لتنهض وسط الكبار

تتمتع مملكة إسبانيا بمزايا جغرافية وثقافية واقتصادية عدة، تجعل منها إحدى أهم الدول في القارة الأوروبية؛ فضلاً عن ثقافتها الإسلامية التي ما زالت تحتفظ بها حتى الآن؛ برغم سقوط الدولة الإسلامية قبل نحو 526 عاماً؛ الأمر الذي جعلها دولة مقرّبة إلى وجدان المسلمين وأفئدتهم حول العالم.

ويحتفظ التاريخ الإسباني، بالكثير من النجاحات التي حقّقها الشعب الإسباني؛ لتحقيق التنمية والازدهار لبلاده، عبر التغلب على التحديات والصعوبات التي كادت تحدّ من انطلاقة الاقتصاد.. ويحسب للشعب الإسباني أنه قرّر أن يتخلي عن "القيلولة" التي كانت راسخة في عاداته اليومية، واستبدلها بالعمل والاجتهاد؛ من أجل بناء دولتهم الحديثة في قلب أوروبا.

ويستعد ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، لزيارة إسبانيا الخميس المقبل، وإجراء نقاشات مع المسؤولين الإسبان، وعلى رأسهم الملك فيليب السادس في العاصمة مدريد، وينتظر أن تشهد الزيارة توقيع اتفاقات عدة؛ من بينها اتفاقات لتعزيز التعاون الثقافي والمعرفي بين البلدين، وإيجاد أرضية مشتركة لمزيد من التعاون أكثر عمقاً في المستقبل.

نقطة اتصال حضاري

وتقع مملكة إسبانيا في الجزء الجنوبي الغربي من القارة الأوروبية، وتحتل حوالى 85% من شبه جزيرة أيبيريا، التي يفصلها عن قارة إفريقيا مضيق جبل طارق، ويربطها بالقارة الأوروبية سلسة جبال البرانس. يحد إسبانيا من الغرب البرتغال، ومن الشمال الشرقي فرنسا وأندورا، والمياه من جميع الجهات الأخرى؛ فمن الشرق والجنوب البحر الأبيض المتوسط وبحرالباليار، ومن الشمال المحيط الأطلسي، وخليج بسكاي.

تتبع مملكة إسبانيا بجزر الباليار في البحر المتوسط، وجزر الكناري في المحيط الأطلسي، إلى جانب أراضي سبتة ومليلة المتنازع عليها مع المغرب.

وتشتهر إسبانيا بتاريخها السياسي والثقافي العريق، وبدورها كنقطة اتصال بين شعوب وحضارات مختلفة.

كانت إسبانيا حتى منتصف القرن العشرين واحدة من بين الدول الأكثر تخلفاً في أوروبا الغربية، وكان معظم السكان مزارعين فقراء. وبعد ذلك وخلال الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين؛ غيّرت التنمية الاقتصادية المتسارعة إسبانيا وجعلت منها دولة صناعية.

واليوم يفوق عدد الإسبانيين العاملين في الصناعة، عدد أولئك العاملين بالزراعة. ويعيش معظم السكان في المدن. وقد ارتفع مستوى المعيشة بدرجة سريعة. وأصبحت وسائل الحياة الحضرية الحديثة أكثر انتشاراً، وأخذت الكثيرُ من العادات القديمة مثل النوم في الظهيرة (القيلولة) بعد الغداء، في الاندثار.

وإسبانيا ثالثة كبرى دول أوروبا مساحة بعد روسيا وفرنسا، وتحتل حوالى خمسة أسداس شبه الجزيرة الأيبيرية، التي تقع جنوب غربي أوروبا بين المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط. وتحتل البرتغال باقي شبه الجزيرة، وتضم إسبانيا أيضاً جزر البليار في البحر الأبيض المتوسط وجزر الكناري في المحيط الأطلسي، وتقع مدريد -وهي عاصمة إسبانيا وأكبر مدنها- في وسط البلاد.

قصة الإسلام في إسبانيا

وصل الإسلام إلى إسبانيا مبكراً؛ وذلك عندما فتح المسلمون شبه جزيرة أيبريا في سنة (93 هـ - 711م)، واكتسح المد الإسلامي أكبر مساحة من شبه جزيرة أيبريا؛ فلم يمضِ على دخول المسلمين 30 عاماً؛ إلا وكانت أيبريا بكاملها في حوزة الإسلام، وتَحَوّل الفاتحون إلى مهاجرين، واستوطنوا البلاد؛ بل تجاوزها نفوذهم إلى جنوب فرنسا، وأدخل المسلمون في أيبريا زراعة المدرجات الجبلية، ومدوا شبكات الرى المعقدة، وأدخلوا محاصيل جديدة، وتَحَوّلت البلاد إلى مشعل حضارة.

وانتهى حكم المسلمين في إسبانيا بسقوط غرناطة في سنة (898 هـ- 1492م) بعد عقد معاهدة بين فردناند وإيزابلا، يلتزمان فيها باحترام الدين؛ ولكنهما نقضا المعاهدة وحاكما المسلمين أمام محاكم التفتيش التي أصدرت أحكامها بالإعدام حرقاً على أعداد كبيرة من المسلمين، واستمرت هذه المحاكم تمارس سلطانها أكثر من ثلاثة قرون، ولم تُلغَ إلا في القرن الثامن عشر.

هاجرت أعداد كبيرة من المسلمين إلى بلاد المغرب، واضطر من بقي أن يخفي عقيدته سراً، وهم الموريسكيون الذين تَمَرّدوا في سنة (976هـ- 1568م)، ولما يئس الإسبان من إجبارهم على ترك دينهم؛ أمروا بطردهم من إسبانيا سنة (1019هـ- 1610م)؛ على الرغم من أن المسلمين طيلة ثمانية قرون لم يُجبروا أحداً على اعتناق الإسلام، وتركوا للمسيحيين حرية ممارسة عقيدتهم.

الأصول الثقافية

ترجع أصول الثقافة الإسبانية إلى التأثيرات التي تركتها الشعوب المختلفة التي مرّت على شبه الجزيرة على مر القرون، وأيضاً أثرت على تاريخها. وساهمت التضاريس الجبلية في شبه الجزيرة والبحار المحيطة بها بشكل كبير، في تشكيل الثقافة الحالية.

وعلى الرغم من وجود تراث ثقافي مشترك لجميع الإسبان؛ إلا أن الاستقلالية الجغرافية الملحوظة لكل منطقة؛ أدت إلى وجود فعاليات ثقافية متعددة بها. وقد أثرت تلك الفعاليات على جميع المجالات مثل: الفن والترجمة والأدب واللغات واللهجات والموسيقى وفنون الطهو.

ويتكلم الأغلبية العظمى من الإسبانيين اللغة القشتالية أو الإسبانية؛ برغم أن العديد منهم لا يعتبرونها لغتهم الأم؛ حيث يوجد في الأقاليم المختلفة لغاتٌ أخرى مستخدمة، لا تقل أهمية عن القشتالية أو الإسبانية؛ ومن أهمها: (الكتلانية، الفالنسية، الجاليكية، البشكنشية، الآرانية، الأراغونية)؛ حيث تحتل إسبانيا المرتبة الثالثة بعد كولومبيا، والمكسيك، والولايات المتحدة الأمريكية من حيث عدد الأشخاص الذين يتحدثون الإسبانية.

رائدة في القطاع السياحي

وإسبانيا واحدة من أقطار العالم الرائدة في مجال السياحة. وفي كل عام يزور ملايين الناس مصايف وجزر إسبانيا المُشمسة على البحر الأبيض المتوسط، والساحل الصخري للمحيط الأطلسي، والقلاع وروائع العمارة الإسلامية في المدن التاريخية الإسبانية خاصة.

وساعدت المظاهر والحوادث الطبيعية على توحيد إسبانيا جغرافياً، وفي تجميع ثقافة هذا البلد؛ ففي شمال البلاد سهّلت الطبيعة والتضاريس الجبلية الحفاظَ على اللغة والعادات والتقاليد في هذه المناطق.

وأيضاً ولكونها شبه جزيرة، ومحاطة بالمياه؛ كانت بعض المناطق متأثرةً بالعادات والتقاليد البحرية المتزمتة، وكانت المناطق الداخلية الواقعة على ميناء نهري؛ متأثرة بهذه التقاليد، كما كان الحال في إشبيلية.. أما في وقتنا الحالي -وبفضل سهولة النقل الجوي- انتعشت عملية استضافة السياح من مختلف بقاع الأرض لشواطئ البحر الأبيض المتوسط.

أما شواطئ المنطقة شبه الاستوائية والتي تضم جزر الكناري؛ فتمتاز بتنوع المناخ؛ حيث إنه في أشباه الجزر الداخلية يكون المناخ قارياً معتدلاً يتميز بصيف حار وشتاء بارد؛ أما المناطق الساحلية فيكون المناخ أكثر اعتدالاً.

وأدى التعاقب المستمر لفصل الصيف الحار، الجاف إلى نشوء ثقافة تعتمد على قضاء وقت ليس بقليل في الهواء الطلق، ونرى الممارسات الشعبية والثقافية في الساحات والأماكن العامة المكشوفة؛ حيث يقوم الناس بالتعارف والتحدث وقضاء بعض الوقت.

التغلب على التحديات

وعلى حدود إسبانيا الشمالية الشرقية، تفصل جبال البرانس إسبانيا عن فرنسا، وكانت هذه الجبال في وقت من الأوقات عائقاً كبيراً للسفر البري بين شبه الجزيرة الأيبيرية وبقية أوروبا. وتقع إفريقيا على بُعد 13كم فقط من جنوب إسبانيا عبر مضيق جبل طارق.

معظم إسبانيا هضبة مرتفعة جافة تسمى الميزيتا، وترتفع التلال والجبال في كل أنحاء الميزيتا، ويمتد إلى الشمال منها حاجز جبلي عبر شبه الجزيرة. وتفتقر إسبانيا إلى العديد من المواد الخام التي تحتاجها الصناعة، كما أن المحاصيل لا تنمو جيداً في تربة البلاد الفقيرة ومناخها الجاف.

وعلى الرغم من المنظر الطبيعي الوعر لإسبانيا ومواردها الفقيرة؛ فإن الإسبان أنشأوا في وقت من الأوقات، واحدةً من أكبر الإمبراطوريات في تاريخ العالم.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org