"ضريبة الدم والمال".. وقفة سعود وفيصل التاريخية تشهد على دعم السعودية للثورة الجزائرية

تلك الحقائق تكشفها بعض الكتابات التوثيقية
"ضريبة الدم والمال".. وقفة سعود وفيصل التاريخية تشهد على دعم السعودية للثورة الجزائرية

"أنتم تدفعون ضريبة الدم، ونحن ندفع ضريبة المال.. والله يوفقنا جميعًا".. تلك كانت كلمات الملك سعود – رحمه الله – للمناضل الجزائري الشهير توفيق المدني، وهي أحد أشكال الدعم الكبير الذي قدمته السعودية لبلد المليون شهيد في خضم ثورتها المجيدة التي أشعلتها من أجل التحرر من الاستعمار الفرنسي، والموقف التاريخي الذي اتخذته السعودية انطلاقًا من دورها العروبي والإسلامي في دعم أشقاء لها في العرق والدين والإنسانية.

وقررت حينها السعودية قطع العلاقات مع فرنسا في خطاب تاريخي، ألقاه الملك سعود – رحمه الله - في الإذاعة، قال فيه: "إن المملكة العربية السعودية لن تعيد علاقتها الدبلوماسية مع فرنسا إلا بعد استقلال الجزائر". وأكد أنه سيبقى دائمًا السند المتين للثورة الجزائرية.

ولم يتوقف الدعم السعودي عند حدود تقديم المال وقطع العلاقات مع المحتل الفرنسي فقط، بل امتد إلى الحراك السياسي والدبلوماسي من أجل تدويل قضية الشعب الجزائري الشقيق؛ إذ لعبت السعودية دورًا كبيرًا في جعل الثورة الجزائرية عالمية، ثورة شعب ضد محتل غاشم، وليس مجرد تمرد على الدولة الفرنسية.

تدويل القضية الجزائرية

تلك الحقائق تكشفها بعض الكتابات الجزائرية التوثيقية للدعم السعودي لبلد المليون شهيد إبان الثورة؛ إذ يقول جميل الحجيلان، الأمين السابق لمجلس التعاون الخليجي، موثقًا الفضل السعودي بقيادة الملك فيصل – رحمه الله – في تدويل القضية في المحافل العالمية: "وعندما انتفض الشعب الجزائري انتفاضته الكبرى في مطلع شهر نوفمبر عام 1954م (1374هـ) بادرت المملكة العربية السعودية بعد شهرين فقط من انطلاق هذه الثورة؛ لتجعل من هذه القضية قضية دولية، لا يمكن للعالم أن يغمض عينيه عنها. وانطلق فيصل يستجمع القوى والأنصار في المحافل الدولية؛ فحوَّلها إلى قضية من قضايا مجلس الأمن، ثم انتقل بها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تبنتها واحتضنتها، وتحولت ثورة الجزائر في العالم من تمرد يقوم به العصاة على النظام كما طاب لفرنسا أن تقول إلى قضية شعب مستعمر مقهور، يطالب بحريته وكرامته".

وأكد ذلك أيضًا أحمد طالب الإبراهيمي، نجل المناضل الشهير الشيخ الإبراهيمي، بقوله: "من جانبي أكدت له - أي الملك فيصل - أننا في الجزائر لا ننسى أن الأمير فيصل بن عبدالعزيز أول من طالب بتسجيل القضية الجزائرية في مجلس الأمن برسالة مؤرخة في 5/ 1/ 1955م (12/ 5/ 1374هـ)".

وشهادة أخرى من المناضل "المدني" رئيس الوفد الجزائري في وقت الاحتلال، وهو يخاطب الملك سعود: "وإننا لا ننسى ولا تنسى الجزائر المجاهدة أبدًا، في حاضرها ومستقبلها، أن يد جلالتكم الكريمة كانت أول يد امتدت إليها بالمساعدة المالية أولاً، وباحتضان قضيتها ثانيًا أمام هيئة الأمم المتحدة".

الدعم المادي

وشهادة أخرى يوردها توفيق المدني في مذكراته التي عنونها بـ"حياة كفاح"، وصدرت عام 1976م في 3 أجزاء توثيقًا لحقبة تاريخية، وإيرادًا لحقائق دامغة، تشيد بالدور السعودي، والوقوف التاريخي للمملكة قيادة وشعبًا إلى جوار الشعب الجزائري في محنته، فيقول: "قصدنا وفد جبهة التحرير في الرياض، وكان الاستقبال حارًّا، وكانت الضيافة لولا آلام قومنا المبرحة ممتعة، وقابلنا الملك سعود بن عبدالعزيز مقابلة حارة، واستمع إلى كلامي في تفهم عميق، وقال: أبشروا، سيكون لكم بحول الله ما تطمئن إليه قلوبكم، إني أكلف بكم وزير المالية، الشيخ محمد سرور الصبان، وإنني أدرس معه كل الإمكانيات، فكونوا على ثقة من أننا نعمل ما يوجبه الله والضمير. كان ذلك يوم 11 ديسمبر 1957م (19/ 5/ 1377هـ)".

وبدوره، يؤكد "الصبان"، وزير المالية السعودي حينذاك، تلك المعلومة بقوله: "الملك قرر أن يفتح الاكتتاب بمبلغ مئة مليون فرنك، على أن يكون نصيب الحكومة 250 مليونًا، وهو يضمنها أن يكون الدفع لكم رأسًا (يقصد الوفد الجزائري الذي كان يمثل جبهة التحرير الوطني) حسبما طلبتم، ويوضع في حسابكم بدمشق مهما أردتم سلاحًا أو مالاً، أو مسعى سياسيًّا، فاتصلوا بالملك رأسًا بواسطة رسالة أو رسول، وهو موجود لتحقيق ذلك، حسب الجهد والطاقة".

وحينها أورد الملك سعود جملته الشهيرة للوفد الجزائري: "أنتم تدفعون ضريبة الدم، ونحن ندفع ضريبة المال"، وتبعها بقطع العلاقات مع فرنسا حتى يزول احتلالها للأراضي الجزائرية.

بعد استقلال الجزائر

ولم يتوقف الدعم السعودي الصادق للجزائر عند هذا الحد، بل استمر بعد أن اشتمت الجزائر نسيم الحرية؛ فأرسل الملك سعود تبرعًا ضخمًا بقيمة مليار فرنك للحكومة المستقلة، واضعًا أولى لبنات الاستقرار في الدولة الجزائرية الحديثة، وهو ما أشار إليه "المدني" في مذكراته بقوله: "أقام جلالة الملك سعود حفل عشاء فاخرًا ممتازًا لكل المشاركين في جلسة الجامعة. وعند تناول القهوة أمسك بيدي، وكان يحيط بي عدد من رجال الوفود، وهنأني تهنئة فائقة بهذه النتيجة التي أوصلنا إليها الجهاد والاستشهاد، وقال بصوت مرتفع: كما كنت أول متبرع للجزائر المجاهدة سأكون أول متبرع للجزائر المستقلة. لقد أصدرت أمري بوضع مليار فرنك حالاً في حسابكم، وأرجو أن يقتدي بذلك بقية الإخوان".

وقال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي موجهًا الشكر للملك فيصل والسعودية على دورها التاريخي: "ونحن على كل حال نشكر جلالتكم باسم الأمة الجزائرية السلفية المجاهدة، ونهنئها بما هيأ الله لها من اهتمام جلالتكم بها وبقضاياها، ونعدُّ هذا الاهتمام مفتاح سعادتها وخيرها، وآية عناية الله بها، وأولى الخطوات لتحريرها. أيدكم الله بنصره، وتولاكم برعايته، ونصر بكم الحق، كما نصر بكم التوحيد، وجعلنا من جنوده في الحق".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org