"سبق" تسأل: لماذا "يفسد" القضاة وكبار الموظفين والعسكريين.. و"الوقداني" يجيب: السبب "الثغرات" و"أنا أستحق"

قال إن المملكة بقيادة ولي العهد استعادت في عام واحد أكثر من 400 مليار ريال.. والرسالة واضحة "لا تهاون"
"سبق" تسأل: لماذا "يفسد" القضاة وكبار الموظفين والعسكريين.. و"الوقداني" يجيب: السبب "الثغرات" و"أنا أستحق"

- إقرار الذمة المالية ليست "العصا السحرية".. وتطبيقه "مهم" على كبار الإداريين ذوي الصلاحيات الواسعة.

- المسؤول "الكبير" الفاسد يبرر سرقته للمال العام نفسيًّا وعقليًّا ولا يراها فسادًا بل "أحقية".

- الأرصدة المشبوهة المتضخمة في المصارف تجعل البنك المركزي "يشك" ويبلغ الجهات الرقابية.

- إنها أكثر من مجرد استعادة الأموال.. القبض على الموظفين الفاسدين يعزز الأخلاق في المجتمع.

- العلاقة وثيقة بين تدني "الرواتب" وزيادة الرشاوى بين الموظفين الحكوميين والقطاع الخاص.

- الأغنياء ذوو الدخل السنوي الأكثر من 250 ألف ريال يميلون للفساد وينتهكون القوانين أكثر من الفقراء.

- "بعض" الأثرياء يدفع الرشاوى لتحقيق مكاسب غير شرعية والسيطرة على المجتمع لتحقيق مصالحه.

- هذه حقيقة العلاقة بين رشوة الموظفين وممارسة "القمار" والخيانة الزوجية وإدمان الكحول والمخدرات.

أجرى الحوار/ شقران الرشيدي- تصوير/ أحمد الحميد: يقول أستاذ علم الاجتماع، د.عبدالله الوقداني، مؤلف كتاب "الجريمة والفساد في المنظمات .. لماذا تحدث وما الذي يجب فعله بشأنها؟"، وكتاب "البيروقراطية: ما الذي تفعله الأجهزة الحكومية ولماذا": "إن أهم أسباب فساد كبار الموظفين هو الشعور بالأحقية؛ حيث يُقنع المسؤول الفاسد نفسه بأنه يستحق أكثر مما وصل له".

ويؤكد في حواره مع "سبق"، أن بعض القضاة والعسكريين والأكاديميين ورجال الأعمال المهتمين بالفساد يسرقون المال العام بسبب الجشع والطمع وضعف الرقابة الإدارية.


ويوضح أن الحرب التي يقودها ولي العهد على الفساد تحمل رسالة واضحة "أن ليس هناك أي تهاون مع الفاسدين".


ويتناول الحوار في جزئه الأول عددًا من المحاور المهمة عن قضايا الفساد والفاسدين، وسرقة المال العام.. فإلى التفاصيل:

حجم الفساد

** في القضايا الأخيرة التي أعلنت عنها، تفاجأ المجتمع بحجم الفساد، وعدد الفاسدين ومناصبهم في الدولة ممن يفترض فيهم حفظ مقدرات البلد ومكتسباتها، وكذلك الملايين التي تم الاستيلاء عليها؛ فلماذا يسرق المسؤول الكبير؟

يلمّح السؤال إلى أن "المسؤول الكبير" -حسب تعبيرك- لا ينقصه شيء، فلماذا يسرق المال العام أو ينتهك القوانين واللوائح والأنظمة لتحقيق منافع غير مشروعة سواء لشخصه أو لغيره؟ والبحوث العلمية تشير إلى أن الأغنياء أكثر ميلًا للفساد مقارنة بالفقراء؛ فعلى سبيل المثال يُبَيّن أحد البحوث التي نشرتها المجلة الأمريكية لـ"علم النفس"، أن الأغنياء الذين يفوق دخلهم السنوي 70 ألف دولار (أكثر من 250 ألف ريال) أكثر ميلًا للسرقة بنسبة 30% مقارنة بالأشخاص الذين دخلهم 20 ألف دولار (ما يعادل 75 ألف ريال)، وأن الأغنياء أكثر ميلًا من الفقراء لانتهاك القوانين وأنظمة المرور ونحو ذلك. وبالطبع لا يعني ذلك أن الفقر مرتبط بالأخلاق النبيلة، أو أن جميع الأغنياء والمسؤولين ينتهكون القوانين والأنظمة والأخلاقيات العامة؛ ولكننا نتحدث عن احتمالاتٍ بناءً على مستوى الدخل والمكانة الاجتماعية والمنصب وغيرها، وهناك العديد من الأسباب وراء ظاهرة الفساد، ومن أهمها الجشع أو الطمع في ظل ضعف الرقابة الإدارية، والسبب الآخر الذي لا يقل أهمية عن ذلك؛ هو أن كثيرًا ممن يصلون إلى مناصب عليا سواء في القطاع العام أو الخاص يلجؤون إلى تبريرات نفسية وعقلانية لتبرير مخالفتهم للأنظمة والقوانين وسرقة المال العام أو الخاص؛ يعني ذلك أن أحد أهم أسباب الفساد التنظيمي هو الشعور بالأحقية؛ حيث يقنع المسؤول الفاسد نفسه بأنه يستحق أكثر مما وصل له من مكانة في المنظمة التي يعمل بها أو يديرها، ويتبع هذا الاعتقاد في الأغلب سرقة المال العام والضرب بأنظمة الدولة عرض الحائط.

فساد القضاة

** لماذا يفسد القضاة، والضباط، والمسؤولين، ورجال الأعمال، والعسكريين، والأكاديميين، وموظفين حكوميين وغيرهم، ويتورطون في الفساد والرشوة واستغلال النفوذ وغيرها؟ ومن أين تبدأ رحلتهم مع الفساد؟

للجشع والطمع وتدني الرقابة الدورُ الأهم في ظهور حالات الفساد، كالحالات الإجرامية الأخرى؛ تبدأ أولًا من الفرد، وليس بالضرورة أن هذا الفرد نشأ في محيط فاسد أو تلقى تعليمًا سيئًا، كما هو شائع؛ فرحلة الفرد نحو عالم الإجرام تبدأ من اختلال الأخلاق. والقضاة الذين تم القبض عليهم في حالات فساد لا ينقصهم العلم الديني مطلقًا، والتربية الأسرية الصالحة، ومشكلتهم هي سيطرة الجشع وحب المنصب والنفوذ على عقولهم، ووجود ثغرات؛ مما أتاح لهم استغلال نفوذهم، وهذا ينطبق على الأكاديميين الفاسدين وغيرهم ممن تورطوا في حالات استغلال سلطاتهم المخولة لهم.

فائدة الوطن

** إذا تم القبض على مسؤول فاسد ماذا يستفيد الوطن والمواطن؟

حقيقةً فإن من أهم ما يستفيده الوطن والمواطن، هو تعزيز القيم في المجتمع، وهي أهم بكثير من استعادة أي مبلغ مالي، وأن الرسالة الواضحة التي تصل للمواطن والمقيم هي أنه ليس هناك أي تهاون يقود إلى جعل الفساد "أسلوب حياة"؛ مما يعزز في نهاية المطاف من القيم الدينية والأخلاقية والاحتكام للقانون.

ولي العهد

** ذكرت عدة تقارير دولية أن المملكة حازت الكثير من التقدم في مكافحة الفساد بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فإلى أي مدى حققت الحرب على الفساد أهدافها؟

لقد تقدمت المملكة كثيرًا في جهودها لمكافحة الفساد، فوفقًا للمقياس العالمي لمدركات الفساد حصلت المملكة على المرتبة 52 عام 2020م، بعد أن كانت في المرتبة 48 عام 2015م. وإذا تركنا هذا المقياس جانبًا، نجد أن جهود الدولة مستمرة ومثابرة في مكافحة الفساد، ويأتي على رأسها -كما نعلم- نجاحها عام 2019م في استعادة 400 مليار ريال من المتهمين بالفساد لصالح الخزينة العامة.. وقد أصبح المواطن السعودي في السنوات القليلة الماضية معتادًا على الأخبار المتعلقة بمكافحة الفساد من قِبَل كل الأجهزة الرقابية للدولة وليس فقط هيئة الرقابة ومكافحة الفساد.

إقرار الذمة

** هل آن الأوان لإلزام موظفي الدولة ومسؤوليها مدنيين وعسكريين، بتقديم إقرار الذمة المالي؟

إقرار الذمة المالي وسيلةٌ هامة للحد من الفساد المالي، وقد يكون من الأجدى تطبيقه على فئة معينة من كبار المسؤولين الإداريين ممن يتمتعون بصلاحيات إدارية واسعة أو فئة الموظفين التنفيذيين في الإدارات المالية في المنظمات المختلفة. ولكن من الخطأ الاعتقاد بأن إقرار الذمة المالي يشكّل العصا السحرية التي يمكن من خلالها القضاء على جميع حالات الفساد المالي والإداري، فالواسطة والمحسوبية لا تؤدي بالضرورة إلى زيادة مدخرات الموظف الفاسد.

البنك المركزي

** ما هو دور البنك المركزي في مكافحة الفساد؟

البنك المركزي يقوم بدور رقابي شامل وأكثر فعالية من إقرار الذمة المالي؛ حيث لديه صلاحية إبلاغ الجهات الرقابية مباشرة عن حالات "الشك" في تضخم الأرصدة المصرفية لأي مواطن أو مقيم بطرق تثير الشبهة.

الرواتب والمخدرات

** ما هو الرابط بين انتشار الرشوة وتدني رواتب بعض الموظفين الحكوميين، وبين الإدمان على الكحول والمخدرات والقمار والخيانة الزوجية؟

أشارت عدد من الدراسات إلى وجود علاقة وثيقة بين تدني مستوى الأجور وزيادة الرشاوى بين فئة الموظفين الحكوميين ممن هم على علاقة مباشرة بمنظمات القطاع الخاص في الدول التي تتدنى فيها سلطة القانون، أما فيما يتعلق بعلاقة الرشوة بالإدمان على الكحول والمخدرات والقمار والخيانة الزوجية؛ فليس هناك بحوث علمية مثبتة عن هذه العلاقة المعقدة، وهذه الانحرافات الأخلاقية والسلوكية على أي حال لها أسبابها ونتائجها السلبية على الفرد والمجتمع، والتي لا تقل عن الآثار المدمرة لانتشار الرشوة.. وبالمناسبة، يعود السبب الرئيسي وراء اتفاق جميع القوانين العالمية على خطر دفع المال للحصول على مكاسب غير مشروعة؛ لأنه يؤدي في نهاية المطاف لسيطرة فئة محدودة من الأثرياء على كافة مفاصل المجتمع، وتسخير منظماته المختلفة لتحقيق مصالحهم الشخصية.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org