(السياسة السكانية في المملكة).. مأزق "التحديد" أم مطب "التنظيم"؟

(السياسة السكانية في المملكة).. مأزق "التحديد" أم مطب "التنظيم"؟
بروفايل "سبق"- خاص: في أكتوبر 2014م هاجم رئيس الجمعية السعودية للدراسات السكانية لجنة الإسكان بمجلس الشورى، واتهم أعضاءها بأنهم "لا يعرفون شيئًا عن القضايا السكانية"، وذلك على خلفية موضوع السياسة السكانية "وتنظيم النسل "في المملكة قائلاً: "الأعضاء الموجودون في هذه اللجنة لا يعرفون شيئًا عن القضايا السكانية أو الشؤون السكانية. نحن متخلّفون في القضايا السكانية، وكثرة الإنجاب ظاهرة غير صحية في وقتنا الحاضر".
 
الإحصاءات تؤكد أن المملكة تعد الأسرع نموًا إذ بلغت خلال العشرين عامًا 86 في المائة، وهو ما رفع عدد السكان إلى نحو 28.4 مليون نسمة قبل سنتين، في حين أن هناك توقعات ببلوغ نسبة النمو بنهاية العام الجاري 2015 نحو 2.1 % مقارنة بنسبة النمو العالمي.
 
- حسم الجدل
 مجلس الشورى كان الجهة الحكومية الأكثر استقطابًا للأضواء ولكن ليس إيجابيًا فقد اُتهم مرارًا بالفشل في حسم جدل مستمر منذ سنوات.
 
 مجلس الشورى أجرى تصويته الرابع خلال أسبوع واحد صباح الاثنين (29 ديسمبر 2014)، لكنه لم يحقق النصاب المطلوب بالموافقة أو الرفض وهو 76 صوتًا لقبول توصية لجنة الإسكان والمياه والخدمات العامة حيث صوت 66عضوًا لصالح عدم خفض الخصوبة وهي التوصية التي طالبت بها اللجنة للموافقة على الوثيقة وعارضها 57، ثم صوّت الأعضاء على مشروع الوثيقة وفق مقترح الحكومة المطالبة بخفض الخصوبة باستخدام المباعدة بين الولادات فأيدها 60 عضوًا بينما عارضها 64، وبذلك تعثر إقرار الوثيقة السكانية سواء بنسختها الحكومية أو نسخة لجنة الإسكان بعد أربع مرات تصويت. وهذا كان يعني رفع الموضوع إلى الملك مرفقًا به ما تم بشأنه من دراسة ومبيّنًا فيه نتيجة التصويت عليه في الجلستين، وذلك وفقًا للوائح المجلس.
 
- مبررات التوصيات:
 تعليقًا على ذلك يقول عضو مجلس الشورى سعود الشمري مقدم التوصيات: "سبب تقديم تلك الدراسة هو أن المباعدة بين الولادات تعطي الطفل حقه من الرعاية. وتسمح للأم بالتعافي جسديًا وعاطفيًا قبل أن تحمل مرة ثانية... البرنامج سيكون اختياريًا، ويعود القرار فيه للزوج والزوجة. ويقوم على الإرشاد".
 
 د. الشمري يرى أن هناك ضغوطًا كبيرة تواجهها الأسرة السعودية في الوقت الحاضر، نتيجة تعدد الولادات وتقاربها. مضيفًا: "ما دعوت إليه هو أن يكون بين الحملين ثلاث سنوات كاملة، منها سنتان للرضاعة وسنة للحمل اللاحق، إعمالاً للنص القرآني (والْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ...).
 
- رؤية إسلامية:
 مما نقل عن سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز (رحمه الله) أن "تنظيم النسل إن كان نابعًا من سوء الظن بالله.. من أجل خوف العجز عن المعيشة فهذا لا يجوز, مبيّنًا أن كل إنسان يأتي ورزقه. أما ما يسمى بتنظيم النسل بأن تعطى المرأة بعض الأدوية التي تمنع الحمل في وقتٍ ما؛ لمصلحة الحمل، أو لمصلحة المرأة، أو لمصلحتهما جميعًا؛ كأن تكون مريضة أو أن تكون عادتها أن تحمل هذا على هذا، فيشق عليها تربية الأطفال والعناية بشؤونهم فتتعاطى بعض الأدوية حتى لا تحمل إلا بعد وقتٍ، كأن تحمل بعد سنة أو بعد سنتين من أجل مراعاة الأطفال وتربية الأطفال والعناية بشؤونهم.وهذا لا حرج فيه إذا كان للمصلحة المذكورة".
 
 الفتوى نفسها أيضًا صدرت عن العلامة محمد بن صالح العثيمين (رحمه الله) مضيفًا: "تنظيم الحمل كل سنتين مرة فهذا لا بأس به بإذن الزوج لأن هذا يشمل العزل الذي كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلونه ولم ينه عنه".
 
 من جانب آخر، أوضح الباحث الشرعي منصور الزغيبي أن هناك خلطًا بين تحديد النسل، وتنظيم الأسرة، مشيرًا إلى أن مسألة تحديد النسل «تعود لظروف الأسرة. وأما أن تكون مربوطة بنظام يُسن ويُفرض على مجتمع ما فأرى أنه قتل لحرية ذلك المجتمع".
 من جهة أخرى أكد الداعية الإسلامي الدكتور عوض القرني في حديثه لـ"سبق" أن موضوع تنظيم النسل في الأصل جائز، ولكن إعطاء فتوى عامة في المملكة تحتاج إلى دراسات"..
 
- تضاعف السكان:
 على الرغم من أن المملكة تقع في المرتبة الـ40 في قائمة النمو السكاني على مستوى العالم، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة، إلا أن مصلحة الإحصاءات العامة تؤكد أن عدد سكان السعودية تضاعف ثلاث مرات خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
 
 حول ذلك يعلق تقرير لصحيفة "الحياة": "وسط هذا المزيج من الأرقام، فرض ارتفاع كلفة المعيشة على الأسرة، إلى جانب عوامل اقتصادية وتربوية عدة، كالبطالة، واكتظاظ المدارس والجامعات مما يدعو لإعادة التفكير في طريقة بناء الأسرة، والاتجاه جديًا إلى سياسة «تحديد النسل» أو تنظيمه".
 
 الداعون للنظر لتجارب دولية يستشهدون بدول مثل الصين واليابان، وبعض الدول الخليجية والأوروبية، مؤكدين أن تنظيم النسل قد يكون حاجة أو مشكلة على حسب ظروف المجتمع والدولة.
 
- ظاهر غير صحية..!:
 وعودة إلى رأي د. أبو عشوان رئيس الجمعية السعودية للدراسات السكانية وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود قسم الجغرافيا حيث يقول ضمن حوار مع صحيفة "الشرق": "قطعنا شوطًا كبيرًا في النواحي الاقتصادية .. لكننا متخلّفون في القضايا السكانية. كثرة الإنجاب ظاهرة غير صحية في وقتنا الحاضر".
 
ويرى د. أبو عشوان إنه: "...إذا كانت الدول ذات التعداد السكاني الهائل مثل الصين قد اتبعت أنظمة صارمة في هذا المجال، فإن المملكة لا تزال في البداية، وهي بحاجة ماسة إلى استخدام وسائل وأساليب حديثة في تنظيم النسل و«المباعدة» ما بين الولادات".
 
 هذا فيما يقول الكاتب حسن الحارثي: "الحقيقة أننا فعلاً في حاجة إلى تحديد النسل وترشيد الولادات. لم نتجاوز عدد 20 مليون مواطن ولدينا مشكلات هائلة".
 
 خبير آخر متعمق في شؤون "الصحة" د.عثمان الربيعة:...تنظيم النسل لا يستبعد الإنجاب، بل يُباعد بين أوقاته...ومن خلاله سيحافظ النمو السكاني على معدل لا يقل عن 2 %، ومن ثَمّ فإنه لا خوف من انخفاض عدد السكان، بل الأمل قوي في إنجاب أطفال أصحاء تحت رعاية أمهات يتمتعن بصحة نفسية وبدنية".
 
- رؤية اقتصادية: 
 رأي لافت ومختلف من زاوية اقتصادية يطرحه الخبير الاقتصادي فضل البوعينين: "التنظيم يجب أن يشمل حالات الولادة، بحيث يستطيع رب الأسرة السيطرة على نفقات الأسرة وتعليمها وتقديم الاحتياجات اللازمة في مختلف مراحل النمو. السعودية في مرحلة تحتاج فيها إلى تنظيم المجتمع للنسل؛ وذلك لانعكاسات اقتصادية في الموارد التي تتطلب هذا التوجه. تنظيم النسل جزءٌ من تنظيم الحياة التي تتطلب عدم الضغط على البنية التحتية وعلى الخدمات بشكل عام".
 
- موانع حمل للرجال:
 الأطباء والمختصون تنحصر آراؤهم بطبيعة الحال حول الموانع. يقول استشاري أمراض النساء والولادة وعقم وعضو اللجنة العلمية للمؤتمر الدكتور انتصار الطيلوني لـ «الحياة» : "نسبة استخدام موانع الحمل بالنسبة للرجال بلغت 15% مقابل 85 % للنساء في السعودية. يجب على الاثنين تعلم كيفية استعمال معظم الطرق المتبعة في تنظيم الأسرة، ومنها اللولب الهرموني وكيفية استخدامه، والإبر طويلة الأجل المستعملة تحت الجلد في تنظيم الأسرة، وعمل ربط الأنابيب من طريق المنظار".
 
 من جهة أخرى، أوضح أستاذ نظم الحكم والقضاء والخبير في مجمع الفقه الإسلامي الدولي البروفيسور حسن سفر :"أن تناول الرجل لأدوية منع الحمل من دون علم زوجته محرم شرعًا. أدوية منع الحمل للرجال تعد من «النوازل» العصرية التي يجب أن يكون فيها تكييف شرعي وطبي".
 
 
- 10 أطفال للفقر:
 مرة أخرى للناحية الاجتماعية يقول الدكتور خالد الرديعان أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود: "معدل عدد الأبناء لكل زوجين سعوديين هو 6-7 أبناء (ذكور وإناث) وهذا عدد كبير مقارنة بالمجتمعات الأخرى علمًا بأننا نتحدث عن "المعدل" لوجود أزواج ينجبون 10 أطفال وربما أكثر دون النظر في العواقب!!". علمًا بأن إكثار النسل وزيادة الإنجاب - وهي مفارقة - يزداد عند الفقراء بينما يميل الأغنياء إلى تحديد النسل".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org