مدينة "الأسمنت"..!!

مدينة "الأسمنت"..!!

كنت أسمع أن بعض المدن تحوِّل الإنسان إلى مجرد آلة؛ فيصبح كل همه العمل بعيدًا عن علاقاته الإنسانية، وروابطه الاجتماعية.. آلة تذهب إلى العمل صباحًا، وتعود مساء.. وهكذا تمضي حياته.

ومثل هذه المدن عادة ما تكون مدنًا صناعية، الغالبية العظمى من سكانها من العاملين في تلك المصانع التي تكتسح معظم أراضيها.

لكن أن تكون العاصمة التي يقطنها العدد الأكبر من السكان بهذه المواصفات فهذا ما يستثير كل علامات التعجب في معاجم لغات العالم..!!! ويستدعي علامات الاستفهام برمتها؛ لتقف حائرة مندهشة؛ كيف تتخيل هذا التحول في خصائص مدينة، تحوي هذا الكم الهائل من البشر؟!!

فهل يعقل أن مدينة مثل الرياض يتحول معظم سكانها إلى شبه آلات، لا تعرف إلا العمل؟!! فمَنْ يَعِشْ في الرياض خلال هذه الفترة، ويتأمل الناس من حوله، ويدقق النظر في أحوالهم، سيجد أنها قد تغيرت كثيرًا؛ فلم يعد الوصل هو الوصل..!! ولم تعد العادات هي العادات..!! بل لم يعد الناس هم الناس..!!

فالتواصل بين الجيران لم يعد كما هو، بل إن بعض الجيران الآن لا يعرف بعضهم بعضًا..!!

والناس أصبحت لاهية لاهثة خلف لقمة العيش؛ فلم تعد تهتم بالتواصل مع بعضها..!!

وأصبح من يولي هذه المسائل اهتمامًا يكتفي بأقل القليل، ومن باب "سد عذر" لا أكثر..!!

فهو يقوم بها لأمرين: الأول: لأنها من أوجب الواجبات التي لا مجال للعذر فيها. والثاني: كي لا يقال عنه إنه لا يعرف الواجب..!! أو أنه ليس بصاحب واجب..!!!

وهنا يستشعر الشخص الآخر هذا الأمر تمامًا؛ فيبدأ البرود في المشاعر، ويبدأ الفتور في الصلات، ويبدأ التباعد شيئًا فشيئًا في العلاقات، حتى تصل لمرحلة الانقطاع..!!

فتبرد المشاعر تجاه هذا، وتفتر الصلة مع ذاك، وتنقطع العلاقة مع الآخر، ويتباعد الناس.. فيتحولونإلى آلات..!!

وتتحول المدينة إلى جدران "أسمنتية"، لا روح فيها ولا حياة، ولا تواصل بين أفرادها، ولا مودة، ولا رحمة، ولا جوار، ولا صداقة تجمعهم..!!

وتتحول هذه المدينة إلى مدينة "أسمنت"، يسكنها أشباح..!!!

والسؤال هنا:

هل يعقل أن تتحول الرياض لهذه الحال..؟!!

هل يعقل أن تطغى المادية لهذا الحد..؟!!

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org