لنرتقِ بالحوار.. سواء أصاب قينان أم أخطأ

لنرتقِ بالحوار.. سواء أصاب قينان أم أخطأ

‏رمى قينان الغامدي بحجر صلب في بحيرة التعليم، من خلال تغريدة لم تتجاوز 140 حرفًا، أحدثت جدلاً واسعًا في الوسط التعليمي وغير التعليمي. والأغلبية تتعارض مع ما طرحه في كون المعلم يقدم رسالة. ولا خلاف في ذلك إلا أن مضامين التغريدة تنادي بضرورة تطوير مهارات المعلمين والمعلمات التدريسية، وإلمامهم بطرائق التدريس وأساليب التقويم وإدارة الصف، والقدرة على توفير مناخ تعليمي جاذب وفاعل. كما ألمح إلى أن الكثير من المعلمين ‏لم يقرؤوا كتابًا واحدًا على مدى زمني طويل؛ ما نتج منه ضعفٌ في ثقافتهم وعجزٌ في قدراتهم وقلة إلمامهم بالمستجدات التعليمية والتربوية. وهنا نلحظ الاختلاف في الرأي بين الطرفين؛ إذ اعتبر البعض أن ما غرد به قينان إساءة واضحة ‏للمعلمين، وتهميشٌ لدورهم، وفضحٌ لأعمالهم. والبعض يرى أن مثل هذا الطرح ضرورة من أجل الكشف عن مَواطن الضعف ومكامن الخلل؛ كي تتنبه الوزارة لمعالجة المشكلات كبيرها وصغيرها، التي يعانيها الميدان التربوي.


وبنظرة فاحصة نلحظ أن الميدان التربوي مليء بالمشكلات ‏التي عاناها ويعانيها، والتي لم تتمكن الوزارة من حلها - مع الأسف - رغم الوعود الكثيرة.. وأولها: البيئة المدرسية؛ إذ إن نسبة عالية من المدارس ما زالت مستأجَرة. وبمعنى أكثر وضوحًا: يصعب تحقيق العملية التربوية بمثالية عالية؛ فالحجرات صغيرة، ‏والفصول مكدسة بأعداد كبيرة من الطلاب، ولا تتوافر المعامل والمختبرات والملاعب؛ ما يُفسد بهاء المدرسة، ويجعل منها بيئة طاردة ومنفرة. وهنا ينبغي على الوزارة المسارعة في حل هذه المعضلة التي وعدت باجتثاثها في وقت مضى، ولم تقدِّم شيئًا يُذكر.


الجانب الآخر هو المعلم، وهو الركن الركين في العملية‏ التعليمية؛ ما يستدعي الانتقاء الجيد في كليات التربية، وإخضاعهم لاختبارات دقيقة؛ ليتم اختيار الأفضل والأجود، فضلاً عن تمكين المعلمين أو المحاضرين القادرين على إيجاد جيل من المعلمين والمعلمات ذوي مهارة عالية.


وإذا نظرنا إلى الواقع نلحظ أن هناك عجزًا واضحًا في عملية تدريب المعلمين عدا دورات ‏قصيرة ومبتسرة، لا تحقق الأهداف المتوخاة؛ ما يستدعي مراجعة ملف الدورات التدريبية من قِبل وزارة التعليم.
نعود إلى ردود الفعل التي تعكس ثقافة هشة وغير مقبولة بالشتم والتندر والسخرية.. وهذا يؤكد ضعف الحوار، وتحوير مساره إلى جانب ليس مجديًا على الإطلاق. وحين يطرح قينان هذه القضية ‏بجرأة ينبغي النظر في ذلك بشكل موضوعي؛ إذ ظل هذا الملف لسنوات يناقَش باستحياء، ولا ندري حين تكشف بعض التقارير عن إخفاق نسبة كبيرة من المعلمين في اختبار القدرات دون قدرة الحصول على رخصة معلم تؤهلهم لممارسة هذه المهنة الراقية والرسالة السامية.. فماذا تعني تلك النِّسَب المتدنية؟ نحن أمام لغة أرقام، وليس أمام أسراب من العاطفة.


الخلل موجود، ولا يمكن إنكاره أو حتى تجاهله.. ولا يعني ذلك أن كل المعلمين غير قادرين أو مؤهلين؛ فهناك‏ فئات تستحق الشكر والتقدير والثناء إلا أنها قليلة جدًّا.


وأظن أن المشكلة تكمن في عدم تقبُّل النقد؛ بدلالة الانفعالات غير المبررة على الكاتب، التي وصلت عند البعض للسباب والشَّتم ونسج القصائد التهكمية.. وهي لا تخدم أبدًا القضية، بل تكشف عورة الوعي المجتمعي. وحتى ينهض المجتمع لا بد أن تكون منظومة التعليم على درجة عالية من العافية، لا يشوبها ‏أي هوان أو ضعف.


وبما أن الشيء بالشيء يُذكر، فعلى الوزارة مراجعة حصة النشاط التي أقرتها مع بداية العام الدراسي الحالي بمعدل ساعة يوميًّا؛ فهو قرار لم يأخذ حقه من الدراسة؛ إذ إن الكثير من المباني مستأجَرة، وغير مهيَّأة لإقامة أنشطة يومية، وخصوصًا أن بعض المعلمين تُثقل كاهله أربع وعشرون حصة، ولربما لو تم اختيار نصف يوم دراسي في الأسبوع لتنفيذ النشاط قد يكون مناسبًا؛ كي تتمكن المدارس من وضع حلول عملية ومناسبة. ليت مَن أقر هذه الحصة يزور المدارس، سواء كانت أهلية أو حتى حكومية، ومشاهدة البيئة المدرسية، هل هي مناسبة لتنفيذ برامج وأنشطة وبشكل يومي؟
أعرف أن حصة واحدة أثقلت كاهل العاملين في المدرسة في فترة سابقة؛ فكيف يكون الحال مع حصة بشكل يومي؟! صحيح أن الهدف من هذه الحصة إضفاء المرح، وإكساب التعليم، وتنمية المهارات للطلاب، إلا أن الكيفية في الوضع الراهن صعب جدًّا.


المعلم يحمل مشعل النور، فهل يستطيع إضاءة العقول؛ كي ننتقل من المرحلة الاستهلاكية إلى الإنتاجية، أم الاستمرار بتكريس الحفظ والتلقين في مدارسنا؟
ليس عيبًا طرح الرؤى والأفكار وإبداء النقد، بل هو مطلوب كي ننهض دون أن نزج بأنفسنا في انفعالات، لا تحقق نفعًا، ولا تسمن ولا تغني من وعي.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org