ضياع ميراث النساء والأيتام والقصّر.. أروقة المحاكم "مزدحمة" والتلاعب والجهل والعيب يحرمهم حقوقهم

قانونيون لـ"سبق": تأخر قضايا الإرث لعدم وجود نظام مُلزم.. ولا بد لصاحب المال أن يقسم "حلاله" قبل وفاته
ضياع ميراث النساء والأيتام والقصّر.. أروقة المحاكم "مزدحمة" والتلاعب والجهل والعيب يحرمهم حقوقهم

- لا يزال في بعض مناطق السعودية عادات تحرم الأرامل واليتامى حقوقهن الشرعية وإرثهن. 

- في محاكم الاستئناف توجد دائرتان فقط للأحوال الشخصية ومن الصعب أن تُنهي معاملات الميراث بسرعة. 

- فاطمة: برغم علمي بحقي الشرعي في تَرِكة والدي؛ فإني رفضت المثول في المحاكم أمام إخواني خوفاً من غضب أسرتي.

- القاضي د.أحمد العريني: السلطة "تقديرية" للقاضي في هذا المجال. 

- القانوني أحمد المحيمد: المرأة والأطفال والقصّر ومَن في حكمهم أكثر مَن يعانون في قضايا الإرث والترِكات. 

- د.محمد النجيمي: لا بد من ردع قضائي صارم لمن يتلاعب بحقوق المستضعفين. 

 يقول المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام: (من حَرَم وارثاً إرثه حرمه الله من الجنة). ويحمل هذا الحديث الشريف الوعيد بالحرمان من الجنة لمن يحرم وارثاً من حقه الشرعي الذي ذكره الله في القرآن الكريم. وعلى الرغم من أن نصيب الوارث واضح شرعاً وقانوناً ولا مجال للتحايل فيه؛ إلا أن جهل البعض، وطمع البعض الآخر يُعَدّ سبباً رئيسياً في غياب وضياع حقوق الكثير من النساء والأطفال واليتامى في مجتمعنا.

ويُرجع مختصون قانونيون تأخر الحكم في قضايا الإرث، إلى عدم وجود نظام واضح مُلزم للأطراف فيما يتعلق بقسمة التَرِكات والسير في إجرائها؛ منادين بضرورة أن ينظّم الفرد أملاكه وأمواله ويحصرها، ويُطْلِع جميع أفراد أسرته عليها؛ حتى لا يتلاعب بها البعض ويحرم منها الضعفاء من الورثة.. أو تقسيم مال الإنسان الحي على ورثته حال حياته؛ شريطة أن يلتزم بالشرع الموقر، وألا يميز بين الورثة في تقسيم التَرِكة.

تفتح "سبق" ملف "الإرث وميراث النساء والأيتام والقصّر"، وتناقش كيفية المحافظة على حقوق المستضعفين وأسباب تأخر الحكم في قضايا الميراث. 

نساء وأيتام

من أروقة المحاكم نساء ويتامى يصرخن لأخذ حقوقهن وميراثهن الشرعي. قالت "س. أ": بعد وفاة زوجي بدأت الخلافات بيني وبين أولاده من الزوجة الأولى حول الميراث وتوزيع التركة؛ حيث رفضوا إعطائي حقي في ميراث زوجي أنا وبنتي، ووعدني أحدهم بأنه لم يقصّر تجاهنا في كل ما نطلبه؛ بيْد أني لجأت إلى القضاء منذ عام إلى الآن، ولم تُحسم القضية، وأولاد زوجي يتلاعبون بي، ويماطلون في تقسيم التركة حسب ما شرعه الله تعالى.. مطالبة بسرعة البتّ في قضايا الميراث، وأن هناك الكثير من الأسر تعاني من التأخير وضياع الحقوق.

أما المواطنة "فاطمة" فكانت صدمتها أكبر بكثير، بعد ما حرمها إخوتها من ميراثها في تركة والدها، وأيّدت عائلتُها قرار إخوانها؛ بحجة أنها في عصمة رجل وهو مسؤول عنها؛ رافضين أن يضيع حق والدهم خارج العائلة، وتابعت: برغم علمي بحقي الشرعي في تركة والدي؛ إلا أني رفضت المثول في المحاكم أمام إخواني؛ خوفاً من غضب أسرتي بأكملها، وأنا الآن أتسول حقي الشرعي الذي كَفَله الله تعالى من إخواني، بعد طلاقي، وأنتظر ما يجودون به شفقة ورأفة بحالي. 

ومن جانبه، أفاد أستاذ الفقه المقارن وعضو مجمع البحوث الدكتور محمد النجيمي، بأن التلاعب بحقوق النساء واليتامى والمستضعفين من الأمور المحرمة شرعاً؛ محذّراً مَن يتلاعبون بحقوق أخواتهم مما ورثوه من آبائهم من أموال، بالوعيد الشديد؛ مسترشداً بقوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} وبالحديث الشريف: (اللهم إني أحرج حق الضعيفين "اليتيم والمرأة").

ولفت إلى أنه لا يزال يوجد في بعض المناطق القبلية في السعودية عادات تحرِم المرأة والأطفال اليتامى من البنات تحديداً من حقوقهن؛ معتبرين إياها نوعاً من العيب برغم علمهم بحقوقهن؛ داعين المرأة إلى التنازل عن حقها، ويقيمون التكريمات إذا تنازلت عن إرثها، وقال: هذا من بقايا الجاهلية التي حاربها الإسلام، وعلى ولي الأمر أن يعاقب هؤلاء الفئات التي ترى أن إرث المرأة عيب. 

وتحدّث "النجيمي" عن صنف آخر من الرجال المماطلين في توزيع الميراث ويأكلون حقوق المستضعفين بلا عقيدة؛ مطالباً بردع قضائي صارم لهؤلاء الذين يلعبون على تطويل مدة القضاء للاستفادة من الأموال.

وقال لـ"سبق": قلة الدوائر في محاكم الأحوال الشخصية وفي محاكم الاستئناف يعطل العمل إجبارياً ويؤخره، وليس بِيَد القاضي التأخير في نظر القضايا.. على سبيل المثال هناك دائرتان فقط في محاكم الاستئناف للأحوال الشخصية، ومن الصعب على دائرتين أن تستوعب كل الكمّ القضائي وتُنهي المعاملات بسرعة؛ مما قد يؤخر تسليم الحقوق لأصحابها.

نظام واضح 

أوضح لـ"سبق" قاضي الاستئناف بوزارة العدل سابقاً الدكتور أحمد بن سليمان العريني، أن التلاعب بالحقوق محرّم شرعاً أياً كان نوع الحق؛ بيْد أن التلاعب بحقوق المستضعفين أشد حرمة كحقوق اليتيم والمرأة؛ بل جاء الوعيد الشديد بحق من يأكل مال اليتيم بغير حق في قوله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً}.

ورداً على أسباب تأخر قضايا الإرث في المحاكم، أجاب "القاضي" قائلاً: عدم وجود نظام واضح ملزم للأطراف فيما يتعلق بقسمة التركات والسير في إجرائها؛ فإذا أراد القاضي البتّ في قضية التركة يصطدم أحياناً ببعض الإجراءات التقديرية التي يصعب تجاوزها للإسراع في البت؛ موضحاً أن السلطة التقديرية للقاضي في هذا المجال ليست واضحة وليست مطلقة؛ ولذلك لا يمكن أن يستقيم العمل في قسمة التركات دون وجود نظام أو لائحة خاصة تحدد الإجراءات والمتطلبات الواجب اتخاذها، كما تلزم الخصوم وأطراف الموضوع؛ حتى في حال مماطلتهم أو غيابهم، كي يكون القاضي مطمئناً في إجراءاته، ومصوناً عن النقد والملاحظة.

التوعية والثقافة 

وتابع: عدم التوعية والثقافة الكافية للمجتمع فيما يتعلق بفقه المواريث والوصايا والأوقاف، أوقع الكثير من الناس في الأخطاء التي يجب تلافيها في حال حياته كي يسهل إجراء قسمة تركته بعد وفاته؛ ضارباً المثل بالوصية التي يستطيع المرء من خلالها إيضاح خطة لورثته من بعده، وهذا السبب الواقعي مسؤولية المجتمع بمختلف أطيافه من جهات توعوية وتعليمية ومحاضن تربوية.

وحول أسباب تأخير قسمة التركات لدى كثير من الورثة بعد وفاة المورث، رأى القاضي "العريني" أن السبب يرجع إلى طمع في الاستثمار واستمرار نشاط المورث، أو حياء من المطالبة بالميراث؛ كما هو حال كثير من النساء في مجتمعنا.

مؤكداً أن من الواجب المسارعة بتقسيم الميراث وإنهاء الإجراءات في أسرع وقت، وإعطاء كل ذي حق حقه دون توانٍ أو مجاملة.

ولفت إلى أن المجتمع ليس جاهلاً بأحكام المواريث الشرعية التي سنّها الله سبحانه وتعالى، فهذه واضحة لكثير من الناس؛ لكن تبقى الثقافة الحقوقية الإجرائية تخفى على كثير من الناس، وتعد مهمة جداً في وقتنا الحالي خصوصاً لأرباب التجارة والأموال.

مؤكداً وجود الكثير من قنوات التوعية والتثقيف في هذا المجال؛ سواء عن طريق بعض المراكز التدريبية التي تقدم الدورات والندوات، أو عن طريق بعض الجمعيات والأفراد المحتسبين الذين يقدمون المشورة مجاناً حتى عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

تقسيم الأموال

وأوضح لـ"سبق" المستشار القانوني وعضو برنامج الأمان الأسري الوطني أحمد المحيمد، أن قضايا التركات تخضع لنظام المرافعات الشرعية، ولنظام الولاية على أموال القصّر، ومَن في حكمهم، وهي من اختصاص محاكم الأحوال الشخصية؛ حيث حدّد نظام المرافعات الشرعية اختصاص محاكم الأحوال الشخصية في النظر في جميع مسائل الطلاق والخلع وفسخ النكاح والرجعة وحصر الورثة والإرث وقسمة التركة بما فيها العقار إذا كان فيها نزاع أو حصة وقف أو وصية أو قاصراً أو غائباً.

وقال المحامي: لا أحد ينكر أن المرأة والأطفال والقصّر ومَن في حكمهم أكثر من يعانين من قضايا الإرث والتركات؛ برغم وجود نظام وهيئة مستقلة للإشراف على أموال القصر ومن في حكمهم، وتجدر الإشارة هنا إلى أن أي وكالة تُعتبر منتهية، ولا يحق لصاحبها استخدامها عند وفاة الموكل، ويبطل كل إجراء تم بموجب الوكالة بعد الوفاة.

وعن مفهوم حصر الورثة قال "المحيمد": هو صك رسمي يصدر من الأحوال الشخصية يتضمن حصر عدد الذين يستحقون الميراث من ترِكة الشخص المتوفى، وهذا أمر محسوم نظاماً ولا يشكل مشكلة؛ وإنما المشكلة تكمن في حصر التركة ومقدارها من أموال وعقارات وممتلكات؛ حيث يخضع ذلك لما يُفصح عنه الورثة، والثقة بينهم، ومخاطبة البنوك وكتابة العدل لمعرفة ممتلكات وأموال المتوفى.

ومن الحلول الجذرية لحسم قضايا التركات؛ إما اتفاق الورثة وعدم اختلافهم أو تقسيم مال الإنسان الحي على ورثته حال حياته؛ شريطة أن يلتزم بالشرع الموقر وألا يميز بين الورثة، كما أنه لا يجوز الإضرار بأحد الورثة على حساب آخر، وألا يتعسف في استعمال حقه في التصرف في ماله؛ بل يعدل في توزيع المال على الأبناء وفقاً لشرع الله وتوكيل الثقاة سواء من الورثة أو المختصين في توزيع التركات؛ ناصحاً بأن تكون الوكالة خاصة لإنهاء التركة، وألا تكون عامة؛ درءاً للمشاكل دون استلام الأموال؛ على أن يكون البيع بالتوافق والتراضي بين كل الورثة. 

حصر الأملاك

فيما كشف مصدر قضائي -تحتفظ "سبق" باسمه- أن قضايا التركات من القضايا التي تأخذ وقتاً طويلاً في المحاكم؛ لعدة أسباب؛ منها ما يعود للأب الذي لا ينظم أمواله ولا يعلم عنها أحد من أولاده أو يختص واحد منهم ويُخفي تفاصيلها عن بقية الورثة؛ وخاصة إذا كانت بعض أموال الأب مسجّلة باسم الولد صورياً، أو كانت لديه وكالة من والده ثم يقوم ببيعها في آخر حياة الأب ويستلم هو قيمتها.

ونادى المصدر بضرورة أن ينظّم الفرد أملاكه وأمواله ويحصرها ويُطلع جميع أفراد أسرته عليها؛ حتى لا يتلاعب بها البعض ويحرم منها الضعفاء من الورثة لعدم معرفة تفاصيل ما يملكه والدهم، كما أن هناك جهلاً لدى بعض الورثة في منح أحد الورثة وكالات مطلقة بعد وفاة مورِثهم؛ برغم عدم علمهم بحجم التركة، وقد تُستغل هذه الوكالات في التصرف بالتركة من أموال وعقارات وأسهم دون تزويد الورثة بكل المعلومات، ومن المفترض أن تكون الوكالة الأولى لحصر التركة وبعد معرفة الورثة بحجمها وتفاصيلها تصدر وكالات محددة بأنواع التركة؛ حتى لا يتصرف إلا بما هو محدد في الوكالة.

وتابع: الإجراءات القضائية تطول بسبب تشعب قضايا التركات من حيث تنوعها؛ مقترحاً تشكيل مجلس أعلى للقضاء للفصل في قضايا التركات بدوائر قضائية، تتكون من 3 قضاة وليس قاضياً واحداً كما هو معمول به حالياً؛ لأن نظرها من ثلاثة قضاة يُساهم في تنوع الخبرات القضائية والمشاورة.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org