"سماسرة التعليم".. "قروبات" لتقديم بضاعة رخيصة وبحوث علمية مكررة.. وأسعارهم تبدأ من 200 ريال

ينتشرون في مواقع التواصل الاجتماعي.. وهوس البعض بالمناصب والترقيات زاد من تواجدهم
"سماسرة التعليم".. "قروبات" لتقديم بضاعة رخيصة وبحوث علمية مكررة.. وأسعارهم تبدأ من 200 ريال

- أستاذ جامعي: نكتب المواد والأبحاث والاختبارات بجودة عالية ولكلٍ سعره.. و"أنا راجل عندي ضمير".

- "سمسار تعليم": بـ1000 ريال نحضر الاختبارات الجامعية مع ضمان التفوق والدرجات المرتفعة، وجمهورنا "كبار السن" من الطلبة.

- د.راشد العبدالكريم: ممارسات منحرفة لها أثر سلبي على سمعة التعليم ومخرجاته.

- د.غازي فلمبان: الغش ووجود السماسرة يعتمد على الطالب، ونستخدم برنامج "نظام اكتشاف التكرار في الغش" لكشف تلك الألاعيب.

- د.عادل المكنيزي: سوق العمل يفضح الشهادات الشكلية ولن يكون لها وجود على أرض الواقع.

- عبدالله الجميلي: تجمّع الفندق كشف أستاذ المقرر، وضرورة إيقاف تلك "المهازل" ووضع الضوابط التي تضمن سلامة ومصداقية الشهادات الجامعية.

 

كشفت مواقع التواصل الاجتماعي "تويتر وإنستجرام" مشكلة تزايد "سماسرة التعليم"؛ حيث يتم حل الواجبات المدرسية، والجامعية، وتقديم البحوث، والمواد العلمية، والحضور في بعض الأحيان مكانهم لتأدية الاختبارات بدلاً منهم، والترويج لبضاعتهم الرخيصة دون أي رقابة؛ حتى باتت مثل هذه الممارسات متعارفاً عليها بين البعض، ويُلجأ إليها وكأنها بديل مقبول لحل الواجبات دون أي عناء؛ مما جعل لهؤلاء السماسرة أسعاراً محددة لكل مادة أو بحث ومناقشة، أو حتى حل اختبارات "أون لاين"، وسط غياب تام من الجهات المسؤولة.

 

في ظل تلك الممارسات المنحرفة من بعض طلاب الجامعات والكليات، وما يشوبها من نصب وتزوير، والحصول على شهادات علمية ووظائف وترقيات لمن لا يستحقها، وبخس حق الطالب في البحث والمعرفة.. تدق "سبق" ناقوس الخطر، وتحذّر من تزايد ظاهرة "سماسرة التعليم" في مواقع التواصل الاجتماعي.

 

فريق متكامل

تواصلت "سبق" مع أحد سماسرة التعليم لطلب المساعدة في حل الواجبات، والذي أكد أنه أستاذ في أحد الجامعات، ولديه قروب عمل متكامل لكل المواد، وسوف يقدم الواجبات والأبحاث والاختبارات بجودة عالية ولكل شيء سعره.

 

ورداً على مخاوف من تكرار نفس الإجابات لطالب آخر؛ أكد أنه "راجل" لديه ضمير، ومن النادر أن يأتي له أكثر من طالب بنفس الواجبات، وإذا حدث فمن المستحيل أن يسلّمه نفس الحلول.

 

وعن متوسط الأسعار قال: تبدأ من 150، وقد تصل إلى 600 ريال حسب نوع الواجب والمجهود الذي سنقدمه، وكشف لـ"سبق" أنه يقوم مع فريقه بحضور مناقشات وأبحاث وحل واجبات بدلاً من الطلبة، وهناك مَن يطلبون منه الإجابة داخل الاختبار عبر الموبايل.

 

وأكد لـ"سبق" أن عدداً من الأساتذة على علم ودراية بأن الطلاب يلجؤون إلى مَن يساعدهم في الخارج، وفي بعض الأوقات هم مَن يرشدون الطلبة إلينا لرفع معدل درجاتهم، حتى مشاريع التخرج نقوم بإعدادها كاملة.

 

وعن أكثرالتخصصات التي يلجأ الطلبة إلى "سماسرة التعليم" فيها، قال: الحاسب، والرياضيات، والإنجليزي، والهندسة، والبرمجة.

 

فيما قال آخر: الأسعار تبدأ من 200 ريال، وقد تصل إلى 1000 في حال حضور الاختبارات بالجامعة.. وبسؤاله عن مدى إمكانية الحضور إلى الجامعة وحل الاختبارات العملية؛ أجاب: نعم ويختلف السعر وقتها؛ مؤكداً ضمان التفوق والحصول على الدرجات المرتفعة.. وبسؤاله عن أكثر المواد التي يطلب الطالب المساعدة فيها؛ أجاب: جميع المواد وخاصة من كبار السن الذين يصعب عليهم الاستيعاب، وفي الغالب يطلب منهم أساتذتهم اللجوء إلينا.

 

اكتشاف الغش

وتواصلت "سبق" مع مدير مركز جدة الإقليمي للجامعة المفتوحة الدكتور غازي فلمبان، وأكد أهمية التفريق بين التعليم الإلكتروني عبر الإنترنت، والتعليم عن بُعد، والتعليم المدمج، الذي يجمع بين التعليم التقليدي، والتعليم الإلكتروني عن بُعد بنسبة معينة، وساعات معتمدة، وهذا النظام نسبة الاختراق فيه أضعف من التعليم الإلكتروني.

 

وعن طريقة الجامعة لمنع الاختراق من قِبَل سماسرة التعليم، قال: نستخدم في الواجبات برنامج "نظام اكتشاف التكرار في الغش"؛ لرفع مستوى ضبط التكرار لكشف الغش، ويتم استخدامه بمعايير أعلى، ووضع نِسَبٍ للغش؛ فلو زادت النسبة عن 50% يرسب الطالب، ولدينا معايير دقيقة جداً؛ حيث نقوم بربط كود الطالب بهويته؛ حيث يصعب على "الهاكر" الدخول برقم الطالب.

 

وتابع: تم استبدال واجبات، وتحويلها إلى اختبارات في بعض المواد؛ لتقليص فرص استخدام الواجبات، وتعتمد الاختبارات على بنك الأسئلة، الذي يجعل 1000 طالب يؤدون الامتحانات مع بعضهم، وأسئلتهم تكون غير متطابقة، كما أن بعض الاختبارات لا بد أن تكون من جهاز جامعي؛ بحيث يكون ملزماً بأن يُختبَر في الجامعة، وليس في المنزل؛ وبذلك يكون التحكم في الجهاز الجامعي والتحكم في الطالب بضرورة حضوره.

 

ورأى "فلمبان" أن الغش ووجود سماسرة التعليم يعتمد على سلوك الطالب في أي نوع من التعليم، وليس في التعليم المدمج فقط، وتقع على المدرس مسؤولية أن يعرف طلابه.

 

ورداً على اتهام البعض بأن أساتذة الجامعة هم مَن يروّجون لسماسرة التعليم؛ أجاب: الجامعة العربية المفتوحة بها 6 فروع في السعودية، ولدينا سياسة في الجامعة تنص على أن تأتي أسئلة الاختبارات من فرع آخر وليس مدرس المادة هو مَن يضع الأسئلة، ونسبة مَن ينفلت من العقاب ضئيلة جداً.

 

نقص الأمانة

واعتبر رئيس قسم المناهج وطرق التدريس في جامعة الملك سعود، الأستاذ الدكتور راشد بن حسين العبدالكريم، سماسرةَ التعليم المفتوح ظاهرةً بدأت في الانتشار، وليس لها علاقة بالجامعات الإلكترونية أو التعليم المفتوح؛ إنما لها علاقة بنقص الأمانة بشكل عام، والأمانة العلمية بشكل خاص، كما أن لها علاقة وثيقة بالنظرة الاستهلاكية التي سيطرت على كل شيء تقريباً في حياتنا.

 

ولفت إلى تركيز الأساتذة -سواء في الجامعات أو التعليم العام- على المنتج وليس على أداء الطلاب وعمليات التعلم لديهم؛ قائلاً: التركيز على التقويم الختامي وعلى شكل المنتج دون النظر إلى عمليات التعلم ونموها لدى المتعلم وتطور أدائه؛ جعل ما يقدمه الطالب في المنتج النهائي هو محور التقويم؛ ولذا فَتَح باب اللجوء إلى سماسرة التعليم.

 

ويرى "العبدالكريم" ضرورة السير على بُعدين أساسيين؛ الأول: يكون بشكل نظامي بحيث نجرّم هذا العمل ونجعل ممارسه تحت طائلة القانون، كما نقوم بتشديد العقوبة؛ أما البعد الثاني: فهو مراجعة طرق التدريس وأنشطته وأساليب التقويم؛ بحيث تُربط الأساليب بأداء المتعلم أثناء عمليات "التقويم المستمر"، وألا يركز التقويم على شكليات المنتج النهائي؛ وإنما على محتواه.

 

وتابع: يجب على المعلمين والأساتذة ألا يُعطوا التقويم أكثر من حقه في التركيز؛ بل يُنظر له فقط على أنه عملية تقويم لواقع التعلم وليس غاية في ذاته.

 

وعن الآثار السلبية لظاهرة سماسرة التعليم، قال "العبدالكريم": لا شك أن لهذه الظاهرة أثراً سلبياً على التعليم، وعلى سمعة التعليم الإلكتروني، وعلى مستوى مخرجات التعليم بشكل عام.. ويجب أن يُنظر لها بجدية ويُتعامل معها بحزم؛ منوهاً بأهمية الابتعاد عن النظرة التقليدية للتعلم التقليدي؛ ومن ذلك عمليات التقويم؛ فيجب بناء عمليات التقويم في التعليم الإلكتروني بحيث تضمن -بأكبر قدر من الدقة الممكنة- تعلّم الطالب واستفادته.

 

شهادات ورقية

من جانبه تَحَدّث الأكاديمي والإعلامي عبدالله الجميلي عن أنه قبل سنوات كان في زيارة لإحدى المدن الكبرى، وهناك وفي الفندق الذي يسكنه لاحَظَ تجمعاً لبعض نزلاء الفندق حول أحد الإخوة الوافدين، وبعد يومين أو ثلاثة وفي أحاديث جانبية مع أحدهم، كشف لـه -وهو يبتسم- عن أن ذاك الوافد ما هـو إلا (أستاذ مـقـرر) سيختبرونه ضِمن برنامج الانتساب الذي يدرسون فيه، وجاءوا هنا لاختباراته؛ مضيفاً: هذه حكاية أنا شاهد عليها، ومثلها سمعت الكثير!!

 

وأشار "الجميلي" إلى بعض برامج الانتساب في جامعاتنا، والتي تتلبسها العديد من السلبيات؛ قائلاً: التساهل الذي يحدث من قِبَل طائفة من أعضاء هيئة التدريس في الواجبات والأبحاث المفروضة، وفي نوعية أسئلة الاختبارات؛ عكس ما يصنعونه مع طـلابهم المنتظمين! كما أن هناك أيضاً من الدارسين من يجعلون مكـانتهم الاجتماعية ومناصبهم وسيلة يستغلونها أثناء دراستهم؛ ربما لأنهم ينظرون إليه نظرة مادية، أو لكثرة الأعداد التي معها قـد يكون التصحيح عشوائياً أو فوضوياً، وقد حملت لنا الأيام الماضية أصواتاً لطلاب انتساب تشتكي من ذلك.

 

وأكد "الجميلي" أن وجود المكاتب والمواقع التي تمارس القيام بما يكلف به طلاب الانتساب من واجبات وأبحاث سلبية أخرى وخطيرة؛ أصبحت مع الأسف ظاهرة معلنة تستحق الوقوف عندها، وكشف ومعاقبة مَن يزورونها.

 

وتساءَلَ عبر "سبق": هل الهدف من دراسة الانتساب هو رفع الحصيلة العلمية لمن لا يستطيعون الانتظام في الجامعات والكليات؟ أو أن قطار التعليم قد فاتهم لتقدم الـسـن أو ضعف معدل الشهادة الثانوية؟ مستنكراً ما يحدث على أرض الواقع من تجاوزات تخلق لنا (جريمة) مكتملة الأركان؛ ففيها نصب وتزوير ومنح شهادات خالية من المضمون، تمنح صفة العلمية، والوظائف، والترقيات لمن لا يستحقها!

 

وطالَبَ "الجميلي" بضرورة إيقاف تلك المهازل، وأن تضع الجامعات الضوابط التي تضمن سلامة نظامها الأكاديمي، ومصداقية شهاداتها؛ وبالتالي سمعتها ومكانتها العلمية؛ مستثمرة أدوات التقنية الحديثة!

 

كما دعا المؤسسات الأمنية والرقابية المعنية لملاحقة المكاتب والمواقع المشبوهة، وإصدار العقوبات الصارمة في حقها؛ لكي نصل لمحطة التعليم النزيه والصـادق، الذي يساهم في بناء شخصية المواطن، وتنمية وطنه.

 

افتقاد المهارات

أما أستاذ الإعلام الدكتور عادل المكنيزي؛ فبدأ حديثَه بالتأكيد على أن التعليم هو القاطرة التي تضمن نجاح أي مجتمع، وقد كشف الإعلام الجديد الكثير من الظواهر التعليمية السلبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ فهناك الآن مَن يتسلل ويخون الرسالة الإعلامية وأداء الرسالة؛ مؤكداً أن الشهادة في عصرنا لم تَعُد كل شيء؛ فالمهارات والقدرات هي الحكم في التمكن والحصول على الوظيفة.

 

ولفت إلى أن التضخم الذي يحدث في عملية التعليم عن بُعد، لا يفي بمتطلبات بعض التخصصات، كما أن بعض الشهادات قد يحصل فيها الدارس على الشهادة دون استيفاء اختبارات تطبيقية، وهناك بعض التخصصات تحتاج مختبرات وجوانب تطبيقية، والتعليم عن بُعد لا يفي بهذه التخصصات، وقال: الهرم الوظيفي في العالم بأكمله يقوم على أهل المهارات وعلى الجوانب التطبيقية؛ وهوما يفتقده التعليم عن بُعد.

 

ورأى أن خرّيجي التعليم عن بُعد يضغطون على الخدمة المدنية، ويطالبون بحق التوظيف؛ مع العلم بأن الانفتاح الكبير في التعليم عن بُعد لم يراعِ سوق العمل ويفتح مجالات للدراسة دون أي خطط لسوق العمل؛ محذراً من النظام التعليمي الذي يخضع للشهادات في سوق العمل، والذي سيكون هو الدافع لإقبال الكثير على التعليم المفتوح؛ ليس لغرض التعلم؛ ولكن لغرض الحصول على وظيفة أو حتى الترقية.

 

وأكد أن الأمل باقٍ في سوق العمل الذي سوف يساعد على التقليل من هذه الممارسات وفضح هؤلاء؛ فالجميع أمام الاختبار؛ إما أن يكون أو لا يكون، والشهادة الشكلية لن يكون لها فائدة على أرض الواقع؛ فصاحب العمل لا يبحث عن الشهادة بقدر ما يبحث عن الكفاءة.

 

وأنهى حديثه بالتحذير من خرّيجي التعليم عن بُعد واعتبرهم "قنبلة موقوتة"، وعلى وزارات "العمل والتعليم والخدمة المدنية" وضع خطط استراتيجية لاستيعاب احتياجات الدولة.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org