‏الحسيني لـ"سبق": أهدر المعارضون لـ"تعليم البنات"دمي في المسجد ومزّقوا الإعلانات.. وبرقية الأمير سلمان أوقفتهم ⁦‪

‏الحسيني لـ"سبق": أهدر المعارضون لـ"تعليم البنات"دمي في المسجد ومزّقوا الإعلانات.. وبرقية الأمير سلمان أوقفتهم ⁦‪

حكى العديد من الذكريات والأحداث والمواقف الغريبة التي تعرّض لها قبل 50 عاماً من أجل افتتاح مدارس للبنات

- غالبية أهالي نجد كانوا يرغبون في تعليم بناتهم في المدارس.. والعادات والخوف والحرام جعل تعليم البنات حدثاً كبيراً.

- استعنّا بـ"مطوعات" سعوديات لتدريس البنات.. وسافرت للسودان ومصر ولبنان وسوريا للتعاقد مع مدرسات عربيات.

- كتبت الإعلانات ووزّعتها في الشوارع وألصقتها على الجدران.. فضايقوني في الطرقات.

- هذه حكاية الملك عبدالعزيز مع "أمير الهجرة" الذي شاهد "المؤسس" يصلي ويبكي في الليل ويطلب الله الرزق، فهرب منه في "الفجر".

- كلمة الملك سلمان المشهورة: "إن فتح مدارس للبنات إجباري، وليس اختيارياً، أما الدراسة فهي اختيارية وليس إجباريةً"، ساعدت على تعليم البنات في نجد.

- كلفني الشيخ محمد آل إبراهيم بافتتاح مدارس البنات.. وعينني الشيخ "ابن باز" مديراً للاستقدام والترحيل في جامعة الإمام.

- في المحكمة تعرفت على "البلية" الأمي الذي يأخذ حقه من الجميع بلسانه ويستطيع إخراجهم من منازلهم.

- في شقراء اكتشفنا أن أحد المدرسين العرب يدرّس الطلاب بالخطأ ويصدقونه، وعندما اختبرناه في مسألة حسابية "بسيطة" فشل.

- جئت لبعض المناطق بسيارة محملة بالأثاث والكتب؛ لأستأجر مدرسة البنات.. فطالب عدد من الأهالي أمير المنطقة بطردي.

- أهالي المدينة المنورة والدمام كانوا متفهمين لطبيعة عملي ومتعاونين.. والرطوبة العالية ضايقتني في الشرقية.

- مرسوم الملك سعود بن عبدالعزيز ودعم الأمير فيصل بن عبدالعزيز ساهم في إنشاء تعليم البنات النظامي.

- إصرار الدولة على تعليم البنات حسم القضية وتجاوز العقبات الاجتماعية، وبتنا نقطف ثمارها حالياً في مختلف مسارات التنمية الحديثة.

 

أجرى الحوار/ شقران الرشيدي: هو أحد مسؤولي الرئاسة العامة لتعليم البنات في السعودية "سابقاً"، ومدير عام تعليم البنات في المدينة المنورة، والمندوب الذي تولى استئجار المباني، وكتابة الإعلانات بخط يده، وفتح مدارس للبنات، في الرس، والمجمعة، وحائل، والدمام، والمدينة المنورة، وباشر بنفسه تسجيل الطالبات لمن يرغب، واستعان بـ"مطوعات سعوديات" للتدريس، وسافر للتعاقد مع مدرسات من الدول العربية، وهو أحد الرجال الذين كان قدرهم أن يتولوا مسؤولية تعليم البنات منذ ما يقارب 50 عاماً، ويتحمّل كثيراً من المعاناة في سبيل ذلك، والمضايقات، حتى وصل الأمر إلى إهدار دمه، في مرحلة تاريخية قديمة لم يكن مفهوم تعليم البنات يلقى شعبية كبيرة عند البعض، بل يثير العديد من الإشكاليات الاجتماعية والرفض، إلا أن إصرار الدولة، كما يؤكد ضيفنا عبدالله بن محمد الحسيني في حواره مع "سبق"، وحرصها على تعليم البنات حسم هذه القضية، وتجاوز بنا العقبات الاجتماعية، وبتنا نقطف الآن ثمار تعليم المرأة في مختلف مسارات التنمية الحديثة.

في الحوار التالي، نتعرف من خلال عبدالله الحسيني على ظروف ومواقف صاحبت تأسيس مدارس تعليم البنات في السعودية، فإلى التفاصيل.

** كُلفت بافتتاح عدة مدارس للبنات في بعض المناطق في الثمانينيات الهجرية.. حدثنا عن تلك التجربة، وعن أصعب المواقف التي مررت بها؟

بعد أن عملت في محكمة شقراء لمدة سنتين، طلبت للعمل في الرئاسة العامة لتعليم البنات، وصدر قرار من الشيخ محمد آل إبراهيم بتعييني مندوباً لتعليم البنات في شقراء، وما جاورها واستمررت فيها إلى عام 1383هـ، ثم كلفت من خلال لجنة مكونة من 3 أشخاص بافتتاح مدارس البنات في المجمعة، والرس، وحائل؛ حيث لم يكن في هذه المناطق مدرسة واحدة لتعليم للبنات، فرأت الدولة افتتاح مدارس في المناطق التي لا توجد بها، وكان حدثاً كبيراً في المجتمع لعدم الاستيعاب، ولتخوّف البعض من هذا الموضوع بحكم العادات الاجتماعية السائدة، والنظرة المحافظة عن المرأة والحرام وغيرها.

** لماذا كانت الدولة تدعم مثل هذا التوجه، وتحرص عليه؟

الدولة كانت حريصة على تعليم البنات في السعودية رغم الصعوبات والتحديات من منطلق أن تعليم البنات في أمر دينهن هو واجب على المسلمين، فمن نعم الله -عزّ وجلّ- على هذه البلاد المباركة منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- رغبته في بناء دولة حديثة دستورها كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وبالتالي كان أبناؤه الملوك من بعده على نفس التوجه، فالتعليم شهد منذ عام 1373هـ تطوراً كبيراً كان وراءها جهد رجال أصرّوا على بناء التعليم في السعودية، والتي ظلّت آثارها ومعالمها واضحة في مسيرة الخير تواصل العطاء.

** في أي مرحلة برز توجّه الدولة الجاد لتعليم البنات؟

كان حرص ولاة الأمر واضح ومهم في تعليم البنات، وفقاً للنهج الإسلامي الصريح لذا صدر المرسوم من الملك سعود بن عبدالعزيز، وبدعم من ولي العهد "آنذاك" الأمير فيصل -رحمهما الله- في يوم 21/ 4/ 1379هـ، بإنشاء تعليم البنات النظامي، وقد كان صدور هذا المرسوم بداية عهد جديد في مسيرة تعليم البنات أحدث تحولاً كبيراً وفتح المجال للتطور السريع الذي حظي به تعليم البنات بعد ذلك.

** من كلّفك بمسؤولية افتتاح مدارس البنات، وما هي مهمتك تحديداً؟

ومن منطلق توجه الدولة كلفني الشيخ محمد آل إبراهيم بافتتاح عدة مدارس للبنات في مناطق مختلفة، وتقتضي مهمتي كمندوب للرئاسة العامة لتعليم البنات الذهاب للمناطق التي لا يوجد فيها مدارس بنات، وشرح الموضوع لأهل تلك المناطق، واستئجار المدارس، وتسجيل البنات التي يرغب أهلهن في تدريسهن، والتركيز على أن تعليم البنات محوره الأساسي هو العقيدة الإسلامية، وأن تعليم الفتاة وتربيتها تربية إسلامية صحيحة يجعلها تقوم بمهمتها في الحياة بشكل سليم، فتكون ربة بيت ناجحة، وزوجة مثالية، وأماً صالحة بما يناسب فطرتها، وكنت أقول لأهل هذه المناطق أن هذا النوع من التعليم يتم في جو من الحشمة والوقار والعفة، ويكون متفقاً مع أحكام الإسلام، وأن المرأة في كل الأحوال هي محل التكريم، والتقدير، ويكفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت أوصى بها خيراً بقوله صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء خيراً".

** في ظل ما كان سائداً من مفاهيم اجتماعية خاطئة كيف استطعت إقناع أهالي المناطق بتدريس بناتهم.. هل واجهة أي صعوبات تذكر؟

لم يكن هناك أية صعوبات كبيرة لم أستطع التعامل معها في موضوع في افتتاح مدارس البنات؛ لأن الإقناع المطول، والشرح وفق الشريعة الإسلامية هو المفتاح، لكن في إحدى المناطق القريبة من الرياض، أرسلتني الرئاسة العامة لتعليم البنات بسيارة محملة بالأثاث المدرسي، والكتب الدراسية، والأبواك الخاصة بالمدرسة، ومهمتي أن أستأجر مقراً مناسباً لمدرسة البنات، لكن بعض المعارضين لافتتاح هذه المدرسة لم يستوعبوا هذا الوضع، فرفضوا فكرة وجودي بينهم، وطالبوا أمير المنطقة بطردي، رغم أنني حاولت أن أشرح لهم طبيعة عملي، وبأنني مكلف من طرف الدولة، ومن الأمير سلمان أمير منطقة الرياض "آنذاك"، وأبرزت لهم ما لديّ من خطابات رسمية موجهة لأميرهم تدعوهم ليتعاونوا معي ويسهلوا مهمتي، إلا أنهم رفضوا بشدة، لكنني لم أعبأ بهم؛ لأن أغلب الأهالي الآخرين يرغبون بتعليم بناتهم، فكتبت إعلانات بخط اليد، ووزّعتها في الطرقات، وألصقتها على الجدران فحواها أن الرئاسة العامة لتعليم البنات تعتزم افتتاح مدرسة بنات، ومن يرغب في تأجير منزله ليكون مقراً للمدرسة أو من يرغب في إدخال بناته المدرسة للتعلم فعليه مخاطبة مندوب الرئاسة العامة لتعليم البنات في مقر الإمارة، وكان أكثرية الأهالي يأتوني إليّ يرغبون في تسجيل بناتهم في المدرسة، إلا أحد حراس أمير المنطقة جاءني في يوم، وأخبرني أن هؤلاء المعارضين قد مزّقوا الإعلانات ولا يريدون مدرسة بنات عندهم، فلم أتحدث مع أحد منهم بل استمررتُ في تسجيل أسماء البنات لمن ترغب في التعلم، إلا أن هذا لم يعجبهم، فبدأوا يضايقونني بالكلام في الطريق عندما يرونني أسير، ويطلبون مني سرعة المغادرة، وفي صلاة الجمعة كنت في الصف الأول في المسجد، وإذا بأحد طلبة العلم الشباب يخطب في المصلين ويحرضهم عليّ بل إنه أهدر دمي، ثم كتب هؤلاء المعارضون خطاباً للمفتي يعارضون فيه إنشاء المدرسة، لكنه ردّ عليهم بأن هذا أمر لا شبهة فيه وليس فيه ما يخالف الشرع، وتدخل (الملك) الأمير سلمان أمير الرياض (آنذاك)، بما عُرف عنه من قوة وحزم، وأرسل برقية لهم قال فيها كلمته المشهورة "إن فتح مدارس للبنات إجباري وليس اختيارياً، أما الدراسة فهي اختيارية وليس إجبارية". فهدئوا قليلاً بعد أحداث غريبة، وعموماً تم استئجار مقر للمدرسة، ودرست البنات بعد أن أرسلت الرئاسة مندوب آخر هو الدكتور "عبدالله العبيد"، ولله الحمد رغم ما رافق ذلك من بعض المشاكل استطاع ولاة الأمر بحزم وقوة من إقناعهم.

** من كان يدرّس البنات في تلك المدارس التي استأجرتها؟ هل كنّ مدرسات سعوديات أم متعاقدات من الخارج؟

المدرسات كن سعوديات من "المطوعات" ممن يستطعن التعليم.. وكنت قد سافرت للعديد من الدول العربية المجاورة في مهمة عمل للتعاقد مع مدرسات، ففي السودان كان برفقتي الدكتور محمد الشويعر؛ لنتعاقد مع مدرسات، ولم نجد إلا مدرّسة واحدة فقط لم نوفق في التعاقد معها، وكذلك سافرت للقاهرة ثم ذهبت للتعاقد مع مدرسات من لبنان، وسوريا وهناك تعرفت على الملحق الثقافي السعودي آنذاك الأديب سعد البواردي في دمشق.

** لك أيضاً تجربة في العمل مندوباً لتعليم البنات في الشرقية، كيف رأيت الوضع هناك؟

بعد انتهاء عملي مندوباً للرئاسة، أجريت مسابقة وظيفية للجميع وتقدمت، وفزت فيها وتم تعييني مندوباً لتعليم البنات في الدمام، رغم أنني كنت أفضل أن أعمل في الرياض، لكنني باشرت عملي هناك لفترة ليست بالطويلة تقريباً 6 أشهر، ولم يناسبني جوها للرطوبة العالية، وكان الناس هناك متفهمين لطبيعة عملي ومتعاونين، وأذكر من زملائي في الدمام عبدالله العواد، والمسيلم.

** عملت مديراً عاماً لتعليم البنات في المدينة المنورة.. كيف رأيت مستوى تعليم البنات في المدينة المنورة؟

عندما لم أتمكّن من الانتقال للعمل في الرياض بعد "وساطات" كثيرة لنقلي، ونتيجة لإصراري على الانتقال خيروني بين العمل في المدينة المنورة أو الأحساء، فقلت لا أريدهما، وذهبت للمسؤولين في الرياض لشرح حالتي لهم، فقال لي أحدهم: "جرب العمل في المدينة المنورة، وقد تعجبك"، وبالفعل، وافقت، فصدر قرار تعييني في المدينة المنورة بمنصب مدير عام للتعليم البنات، وذلك عام 1385هـ، وبصراحة أحببت العمل فيها، وحققت العديد من الإنجازات بدعم ولاة الأمر، وأتتني خطابات شكر من المسؤولين على حسن عملي، ووجدت التعاون التام من أهالي المدينة المنورة ورغبتهم في تعليم بناتهم، وكذلك من مختلف مناطق الساحل الغربي.. وبعد فترة من عملي هناك أردت العودة للرياض، فمررت على الشيخ "ابن باز" -رحمه الله- وشرحت له وضعي، وبأنني أرغب في العودة لأهلي في الرياض، فقام -رحمه الله- بطلب خدماتي، وتم نقلي لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وعيّنت على وظيفة مدير عام الاستقدام والترحيل الخاصة بالطلاب والمدرسين الأجانب حتى تقاعدت.

** أتيت من خلفية تعليمية، وكنت مدرساً في إحدى مدارس شقراء قبل التحاقك بتعليم البنات.. كيف كانت المسارات الدراسية في ذلك الوقت؟

نعم يمكن اعتبار مهنة التدريس هي أول عمل أعمل به بشكل رسمي، وكنت أُدرس جميع المواد، وكان يأتينا من بعض الدول العربية المجاورة بعض المدرسين منهم جيد، وآخرون مع الأسف لم يكونوا بمستوى جيد، وفي إحدى المرات كان أحد هؤلاء الأخوة المدرسين العرب يدرس الطلبة درس الحساب، ولم يكن يعرف هو عن ماذا يدرسهم، بل يقول لهم أي كلام وهم يصدقونه، وبحكم عملي كنت أراجع كراساتهم الدراسية التي كانوا يحصلون فيها على درجات عالية في مسائل حسابية، فتفاجأت بأن المسائل كلها خطأ، والإجابات خاطئة، فذهبت لهم في الفصل، واختبرتهم في مسألة حسابية بسيطة فلم يستطيعوا حلها، فقلت لهم أعطوها للأستاذ ليساعدكم في حلها، فلم يستطع الأستاذ بدوره حلها؛ مما جعلهم يصرفونه من العمل، وعموماً ذهب هؤلاء المدرسين، وأتى غيرهم وتخرج من تخرج من الطلبة، وأصبحوا في مناصب ومسؤوليات كبيرة.

** ما هي أبرز المواقف والطرائف التي حصلت لك كمدرس؟

أذكر حادثة طريفة فقد كان خطّي جميلاً، وتأثر به الطلبة، ويقلّدونه في كتاباتهم، حتى أصبح خطهم شبيهاً بخطي وجميلاً ومرتباً، وفي الاختبار التحريري النهائي للمدرسة كتبوا جميعاً بنفس الخط، وعندما ذهبت الأجوبة للوزارة لمراجعتها اعتقدوا أن هناك حالة غش جماعي، وأن شخصاً واحداً هو الذي كتب كل الإجابات بسبب تشابه الخطوط، فأرسلوا مندوباً لمدرسة للقويعية ليتحرى عن الأمر، وقام بعمل اختبارات تحريرية فردية لكل طالب على حدة، وكانت النتيجة أن خطوطهم كانت كلها جميلة، ومتقاربة، فأرسل للوزارة يبلغهم بما حدث، ويبلغهم باعتماد نتيجة الطلبة ونجاحهم. وبعدما استقلت من عملي في مدرسة القويعية عدتُ إلى شقراء للدراسة في المعهد العلمي بشقراء الذي كان يديره الشيخ عبدالعزيز المسند -رحمه الله- وفي أحد الأيام وصلت سيارتان محملتين بالأثاث من الرياض ومعهما خطاب رسمي من الشيخ محمد آل إبراهيم بتكليفي بالعمل مديراً لدار الأيتام بشقراء، فتفاجأت بهذا الموضوع الذي لم أتوقعه، وصارحت الشيخ عبدالعزيز المسند مبدياً رغبتي في التفرغ للدراسة فقط، فقال لي بحكمته: "لا عليك من هذا الأمر، سنقف كلنا معك، هذه كتب ستساعدك على إكمال دراستك، وبعد المذاكرة سنختبرك بنظام الدراسة من المنازل، لكنك في نفس الوقت نفذ أمر المفتي وتولى إدارة دار الأيتام.. والله يوفقك"، وبالفعل توليت المنصب، وكنت أدرس في ذات الوقت، ولله الحمد، توفقت في الاثنتين كثيراً، واستمررت عدة سنوات مديراً للدار حتى صدر قرار بدمج دار الأيتام بشقراء بدار الأيتام بالطائف، وصدر قرار بتعييني مساعداً لمدير دار الأيتام بالطائف، إلا أنني ولرغبتي بالبقاء بشقراء بقرب والدي ووالدتي وأهلي، وتحقيقاً لرغبة شيخ محكمة شقراء الذي كان يريدني للعمل معه، وإصراره على ذلك حتى إنه أغراني بتعييني على المرتبة السابعة ككاتب بالمحكمة اعتذرت عن عدم الانتقال للطائف، وعملت كاتباً في محكمة شقراء.

** بعد انتقالك من التعليم ودار الأيتام للعمل في محكمة شقراء، ما هي أبرز قضية مرت عليك؟

والله القضايا كثيرة ومشاكل الناس كثيرة. ومرت عليّ العديد من القضايا لكنني لا أزال أذكر أحد الأشخاص الأميين، وهو ما يمكن تسميته بالـ "بلية"، فقد كان يستطيع أن يأخذ حقه من الجميع بلسانه، ويقلب الحق لصالحه حتى ولو كان مخطئاً، فكنت أقول له: "أنت بلية تستطيع بلسانك أن تخرج الناس من بيوتهم".

** عاصرت فترة مهمة في بناء وتأسيس الدولة الحديثة. ما هو أبرز ما يرسخ في ذاكرتك عن تلك الفترة المبكرة؟

هناك العديد من الذكريات التي ترسخ في الذاكرة عن تلك الفترة، لكن هناك قصة معبرة وشهيرة من رجل عظيم له دوره المهم والكبير في تأسيس المملكة، وهو الإمام والملك عبدالعزيز الذي يمتلك الكثير من الصفات النادرة التي لا تتوفر لغيره.. والقصة أحداثها تدور عن رجل من أمراء الهجر الصغيرة في نجد أتى إلى قصر الملك عبدالعزيز في الرياض وله بعض الأموال يحتاج إلى تحصيلها من الدولة، وكان لا بد أن يقابل الملك عبدالعزيز ليشرح له الوضع، وليوافق على صرفها له، ولأن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- كانت لديه مسؤوليات كبيرة، وزواره كثيرون، ويقضي وقتاً طويلاً في قضاء حاجات الناس، ومقابلتهم حتى موعد صلاة العشاء، ومن المعروف أن الملك عبدالعزيز يصلي العشاء، وينام بعدها مباشرة فلم يستطع هذا الرجل مقابلته، فأشار عليه بعض الخويا أن ينام في جناح الضيافة، وفي الصباح يقابل الملك، فوافق، وفي الليل أفاق من نومه على صوت شخص يصلي في القصر، ويدعو الله ويبكي ويقول: "يا رب.. يا رب ارزقنا.. يا رب ارزقنا"، فأطلّ من الدريشة، فرأى الملك عبدالعزيز يصلي ويبكي.. ففكر وخجل من أن يطلب شيئاً من الملك، وهو يشكو إلى الله من قلّ الحاجة، لذا قرر الرحيل بعد صلاة الفجر، وبالفعل ركب ناقته، ومضى في طريقه عائداً لهجرته، وبعد الصلاة الفجر سأل عنه الملك عبدالعزيز، فقالوا له لقد رحل.. فغضب الملك، وأمر خيالين من الخويا أن يلحقا به ويعيداه بسرعة، وعندما جيء بالرجل سأله الملك عن سبب رحيله المفاجئ، فذكر له ما رآه منه في الليل، كيف أنه خجل من أن يطلب من ليس معه، فضحك الملك كثيراً، وقال له: "كلنا نطلب الرزق من الله ويأمرنا الله ونعطيك"، وبالفعل سدد عنه كل ديونه، وأمر بأن تُحمل ناقته من مختلف الأرزاق والعطايا. وهذا القصة تدلّ على سعة صدر الملك عبدالعزيز وكرمه وحبه لأبناء شعبه.

** بعد هذه الفترة الطويلة من عملك في الرئاسة العامة لتعليم البنات.. هل تشعر أن ما عنيته وتحمله من أجل فتح مدارس البنات.. هناك ما يقابله من نتائج مثمرة حالياً؟

نعم كانت النتائج تستحق التعب والمعاناة.. خصوصاً أن المرأة المسلمة في صدر الإسلام كان لها دور كبير والاهتمام بتعلمها وتعليمها، ويوضح ذلك الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه تعلمنا مما علّمك الله، فقال: اجتمعن في ويوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا، فاجتمعن، فأتاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلمهن مما علّمه الله"، ويتبين من هذا الحديث ضرورة تعليم النساء، وهذا ما أخذت به بلادنا المباركة ولله الحمد، وقد أثمر هذا النهج في وجود نهضة علمية للنساء نالت إعجاب وتقدير كل المنصفين، وتعليم البنات في بلادنا اتخذ أسلوباً وممارسة ومنهجاً ومادة علمية جمع فيها بين الأصالة والمعاصرة.

 

Related Stories

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org